كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
ولده محيي الدين أبا لاصلاح . وطلبه فخرج مستخفيا إلى ثغر الإسكندرية . واستند في إسقاط كلٍ منهم إلى موجب ظاهر . ثم عزل نفسه . فتلطف السلطان في إعادته ، فعاد .
ثم أسقط الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ : وزير السلطان الملك الصالح ونائبه ، ومقدم جيوشه . وعزل نفسه عن القضاء ثانياً .
وسبب ذلك : أن الصاحب معين الدين كان قد بني فراشخاناه على ظهر مسجد ، بجوار داره . وكان السلطان قد فوض إلى الشيخ أيضاً النظر في عمارة المساجد ، بمصر والقاهرة . فأرسل إليه يأمره بهدم ما استجده على ظهر المسجد وإزالته ، وإعادة المسجد إلى ما كان عليه . فلم يجب إلى ذلك . ثم عاوده فلم يفعل .
فلما طال ذلك على الشيخ ، أمر الفقهاء طلبته أن يأتوه في غدٍ - ومع كل واحد منهم معول - ففعلوا ذلك . فلما رآهم العوام اجتمع منهم خلقٌ كثير بالمساحي . وركب الشيخ إلى دار الصاحب معين الدين ، وهو في خدمة السلطان ، وأمر بإخراج ما في ذلك المكان ، فأخرج ، ثم أمر بهدمه فهدم .
فتألم الصاحب معين الدين لذلك ، ولم يمكنه أن يحدث فيه شيئاً . فلما كان بعد مدة يسيرة ، جلس الشيخ بجامع مصر لتعديل من شهد بعدالته ، منهم : فخر الدين محمد بن الصاحب هباء الدين علي بن محمد . واجتمع لذلك جمعٌ كثير من العلماء والفقهاء والأكابر والقراء - وكانت العادة كذلك في إنشاء العدالة . فاتصل الخبر بالصاحب معين الدين ، فأمر والي مصر أن يدخل إلى المجلس ، ويفرق ذلك الجمع ، ويقول للشيخ عز الدين : يقول لك الصاحب : بلد السلطان لا يجتمع فيه الجموع . ففعل الوالي ذلك .
فصرخ الشيخ في المجلس بإسقاط عدالة الصاحب معين الدين ثم عزل نفسه عقيب ذلك . وكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات . ولما اتصل خبر هذا الإسقاط بالسلطان ، منع الصاحب معين الدين من الدخول إليه ثلاثة أيام ، حتى لفق صيغةً شهدت أن الشيخ إنما أسقطه بعد أن عزل نفسه ، وأن إسقاطه لم يصادف محلاً ، وأنه باقٍ على عدالته .