كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
الملك المعظم - الأمير فخر الدين أبو بكر أبو الفضل : يوسف ، بن شيخ الشيوخ صدر الدين . وكان هو وزير السلطان ومقدم جيوشه ، والمشار إليه في دولته .
فدبر الأمر أحسن تدبير ، وأقطع البلاد بمناشيره . وأطلق السكر والكتان أن يسافر به التجار إلى الشام - وكان ذلك قد منع ، وأراد جماعةٌ من العسكر أن يملكوه ، فامتنع من ذلك .
وتنكر له بعض الأمراء المماليك الصالحية ، وعزموا على قتله فاستدعى أكابر الأمراء ، وأعلمهم أنه لا طمع له في الملك ولا رغبة ، وأنه إنما يحفظه للملك المعظم إلى أن يصل . فاعتذروا له وحلفوا . وكان المتهم بإغراء الأمراء الطواشي محسن ، وجماعة . وجهز جماعةً يستحث الملك المعظم من دمشق ، بعد وصوله إليها .
فلما كان في يوم الثلاثاء - رابع ذي القعدة أو خامسه - هجم الفرنج على عساكر المسلمين ، واندفع المسلمون بين أيديهم . وكانت وقعة عظيمة .
فركب فخر الدين في وقت السحر ليكشف الخبر ، وأنفذ إلى الأمراء والحلقة ليركبوا . وساق بنفسه في طائفة من مماليكه وأجناده . فصدمه طلب الداوية وحملوا عليه . فهرب من كان معه ، وثبت هو . فطعن في جنبه ، فوقع عن فرسه . فضربوه ضربتين في وجهه ، طولاً وعرضاً ، بالسيف فقتلوه .
وجاء مماليكه إلى داره ، فكسروا صناديقه ، ونهبوا أكثر ما فيها . ونهبت أمواله وخيله . وأخذ الجولاني قدور حمامه ، والدمياطي أبواب داره . ثم أخرج من المعركة بقميصٍ واحد ، وجعل في حراقة وأرسل إلى مصر . وحمل إلى تربته بالقرافة الصغرى ، بجوار تربة الإمام الشافعين فدفن عند والدته . واشتد بكاء الناس عليه ، وعملت له الأعزية . وكان له من العمر ، يوم مات ست وستون سنة - رحمه الله تعالى . وكان له شعرٌ جيد كثير ، فمن شعره :
عصيت هوى نفسي صغيراً ، فعندما . . . رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر