كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 222 """"""
والذي أعرفك به يا ولدي : لما نزل العدو على زمن الشهيد - رحمه الله - على دمياط ، ما كان فيها سوى الوالي والكنانية ، وأهلها حفظوها إلى أن وصل الشهيد من القاهرة ، وعسكر مصر من الشام . وما قدر العدو ينزل بر دمياط ، وما كان فيها ذخيرة شهرٍ واحد .
فلما اختلف العسكر على الشهيد - رحمه الله - وتحزبوا - مثل ابن المشطوب والأكراد - مع الملك الفائز ، غضب الشهيد ، وساق إلى أشموم . وتبعه العساكر ، وتركوا جميع الخيم والقماش . وخرج من دمياط من خرج ، والوالي .
وما بقي فهيا إلا أهلها . وغلقوها وقعدوا فيها وحفظوها ، إلى أن مات أكثر من فيها والباقي تكشحوا ، وخلت الأصوار من المقاتلين . فصعدت الفرنج وأخذتها ، بعد أن تعبوا من النقوب من تحت الأرض ، وشربوا بالبتاتي ، والزحف عليها من جميع الجهات ، وما قدروا يأخذوها .
وأنا قويت دمياط ، وملأتها ذخائر من كل شيء ، يكفيها عشرين سنة ، مع ما كان عند أهلها من الذخائر . واكشف من الديوان يعرفوك ما كان فيها من الخيرات . وقويتها بجميع عسكر الديار المصرية ، من فارس وراجل ، ونقدين وما خليت لها عذر ، حتى بقيت وحدى في أشموم بسبب المرض .
فلما أن أقبل العدو وشاهدوه وطلبوا البر بالحراريق ، انهزموا وسلموا لهم البر ، واشتغلوا بالنساء ونقلهم من دمياط ، وهربت العوام وتبعهم الأجناد . وكان المقدم عليهم الأخ فخر الدين ساق خلفهم وردهم ، وجعل على أبواب دمياط كل باب أمير . فلما أصبح ، ما وجد في المدينة أحد . هربوا الكنانية في الليل ، وكسروا الخوخ ونزولوا من السور ، وتركوا أموالهم وذخائرهم نهبوها المسلمين بعضهم بعض . وأخلوا دمياط ، حتى أخذتها الفرنج ثاني يوم . وهذا كله بقضاء الله وقدره . . واصبر تنال ما تريد .
وهذا العدو المخذول ، إن عجزت عنه ، وخرجوا من دمياط وقصدوك ، ولم يكن لك بهم طاقةٌ وتأخرت عنك النجدة ، وطلبوا منك الساحل وبيت المقدس وغزة وغيرها من الساحل - أعطيهم ولا تتوقف ، على أن لا يكون لهم في الديار المصرية قعر قصبة .

الصفحة 222