كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
وإن نزلوا منزلة من تقدمهم من العدو قبالة المنصورة ، فرتب العسكر يكونوا ثابتين خلف الستاير مع البحر ، ليل ونهار . فهم ما لهم زحفٌ إلا بالشواني ، فقووا الشواني ، كيفما قدرتم . واجهدوا أن يكون بعض الحراريق على بحر المحلة من خلف مراكبهم ، تقطع عنهم الميرة . وهو يكون - إن شاء الله - سبب هلاكهم . فتلك المرة ما انتصر الشهيد - رحمه الله - عليهم إلا من بحر المحلة .
وتكون العرب مع الخوارزمية مع ألفين فارس بينهم وبين دمياط . واستخدم ، الفارس والراجل . وأنفق الأموال ولا تتوقف . وإن كان الشرق لا ينجدوك لأجل الناصر وإسماعيل ، واشترطوا أن ترد عليهم بلادهم . ورأيت الغلوبية ، ولا بد من ذلك وإلا ذهب الملك - فالضرورات لها أحكام . إعلم - يا ولدي - أن الديار المصرية هي كرسي المملكة ، وبها تستطيل على جميع الملوك . فإذا كانت بيدك ، كان بيدك جميع الشرق . ويضربوا لك السكة والخطبة .
فاتفق أنت والأخ فخر الدين ، وأرضى الناصر بما يطيب به قلبه . فالناصر ما أخرجه من يدي إلا تغيري عليه ، بسبب أوراقٍ كانت تصل إلي عنه أنه فعل وصنع . وكشفت عن ذلك ، ما رأيت لها صحة . فلما انقطع رجاه مني لتغيري ، استند إلي إسماعيل وابن ممدود ، وجرى منهم ما جرى . كل ذلك من إسماعيل وابن ممدود ، وهو يشاركهم في جميع ما يفعلوه .
وأما الذي فعله معي على نابلس فما كان إلا مصلحةً عظيمة ، أنا أشكره عليها . طلع بي الكرك إلى أن ذهبت أيام القطوع . لولا ذلك أخذني إسماعيل ، لأنه ضيق علي أرض الشام بالعسكر في طلبي ، فما فعل في حقي إلا خير . فهو كان السبب في خروجي ، في الوقت الذي كان قدر الله بتوجهي فيه إلى الديار المصرية بالملك . فلا يضيع له هذا القدر .
وكنت نويت له كل خير . فإن حصل بينكما اتفاق ، وصفت نيته في محبتك ، ووفي لك باليمين ، فخاطرك به مستريح في أمر الساحل . فما ذنوبه عندي ذنوب إسماعيل ، الذي بارزني ، وأخذ مني دمشق ، واعتقل ودلين وفعل في حقي ما فعل ، وأعطى الساحل والحصون التي فيه لعدو الدين ، واستعان بالكفر علي ، وعلى أخذ بلادي . فارضيه بشيء يستعين به : بصري مع السواد ، ولا تعطى له قلعة بعلبك . وتحسن إلى