كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 224 """"""
أولاده وأهله ، وينفذوا إليه . فالله يقابل المسيء ، ويجازي المحسن وأطلق المحتبسين كلهم ، إلا من كان له تعلقٌ في قبض عمك ، أو مفسدٌ في الدولة .
فإن قدر الله لك بالنصر على هذا العدو المخذول ، وأخذت دمياط - إن شاء الله تعالى - ابني باشورة تكون طول قامة ، وبسطة بشراريف ، ورمامي من فوق وأسفل ، وتكون الباشورة عرض يتمكن القتال عليها ، إما بالحجر أو بالطوب الأحمر ، ويكون لها سلالم ، بين كل سلم وسلم ثلاثين خطوة . تعمل هذه الباشورة من قبالة برج السلسلة ، قريب من الماء البحر إلى البرزخ ، إلى المكان الذي نزلوا فيه الفرنج ، وفوق منه بثلاث رميات نشاب . ومن آخر هذه الباشورة تحفر خندق ، من البحر المالح إلى البحر الحلو ، مثل ما حفره الشهيد تلك المرة ، بحيث إذا جاء العدو لا يقدر على الماء الحلو ، ولا يبقى له منزلة ينزل فيها . وبين كل سلمين لعبتين يرموا بالحجارة ، والعسكر تقاتل من على الباشورة والمنجنيق والرماة ترمى من خلف الباشورة من المرامي ، ما يقدر أحد يقرب البر . وعجبت كيف غفل عن هذا الشهيد - رحمه الله - وعمل قلعة .
فهذه الباشورة فيها ألف مصلحة قسطها على الأمراء وعلى بيت المال والأسرى الفرنج تعمل فيها . واجتهد في عملها تأمن على دمياط وتستريح وإن لم يخرج العدو من دمياط وتطاول الأمر ينتظروا نجدة تصل إليهم ، ازحف عليهم من بر دمياط ومن بر البرزخ ، بالفارس والراجل وبالشواني من البحر ، لعل أن تملكوا بر البرزخ . فإذا ملكتوه ملكتم فم البحر ، ومنعتوا أن يدخل إليه مركب ، أو يخرج .
ويا ولدي : قلدت إليك أمور المسلمين ، فافعل فيهم ما أمرك الله به ورسوله . يا ولدي إياك والشرب ، فإن جميع الآفات ما تأتي على الملوك إلا من الشرب . ولا تخالفني تندم ، وتدخل عليك العارض . فما يسقيك إلا من تأمن إليه ، ولا يدخل عليك العارض إلا من القريب . يا ولدي : وامنع المسلمين والنصارى أن يعصروا الخمر . وطهر العساكر من القحاب ، والمدن . ولا تجلس مع من يشرب ، فيزين لك الشيطان فتشرب ، فتكون قد خالفتني ، وتدخل عليك العارض . وأنا قد جربت الأشياء ووقعت

الصفحة 224