كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
وإن لم يرض زده من الساحل ، حتى يرضي . ولا تخرج الكرك من يدك . الله الله احفظ وصيتي . فلا تعلم ما يكون من هذا العدو والمخذول ، لعله - والعياذ بالله - أن يتقدم إلى مصر يكون ظهرك الكرك ، تحفظ فيه رأسك وحريمك ، فمصر مالها حصن . ويجتمع عندك العسكر وتتقدم إليهم ، تردهم عن مصر . وإن لم يكون لك ظهر مثل الكرك ، تفرقت عنك العساكر . وقد عزمت أن أنقل إليها المال والذخائر والحرم ، ولك شيء أخاف عليه ، واجعلها ظهري . والله ما قوي قلبي واشتد ظهري ، إلا لما حصلت في يدي .
الحمد لله وحده ، وصلواته على سيدنا محمد نبيه - وآله وصحبه - وسلامه هذا آخر ما تضمنه كتاب الوصية . وقد نقلته بنصه وهيئته - على ما فيه من لحنٍ في بعض ألفاظه ، ونقص ألفات في بعضه .
ولم يعتمد الملك المعظم ما أوصاه به ، ولا رجع إليه ولا عرج عليه ، بل خالفه في جميع ما تضمنته وصيته . وكان من أمره ، وزوال ملكه ، ما نذكره .
ولنرجع إلى سياقة أخبار الملك المعظم : قال : ولما وصل إليه الأمير فارس الدين ، وهو بحصن كيفا ، رحل وسلك البرية . وأخفى أمره عن الملوك المجاورين له . خشيةً من غائلتهم . وترك بالحصن ولده الملك الموحد ، وسار حتى انتهى إلى دمشق .
فكان وصوله إليها في يوم السبت ، سلخ شهر رمضان ، سنة سبع وأربعين وستمائة . وعيد بها عيد الفطر . وخلع وأنعم على الأمراء ، وأقر الأمير جمال الدين موسى بن يغمور على النيابة بدمشق . وأفرج عن كل من كان في حبس والده . قال أبو المظفر : وبلغني أنه كان بدمشق ثلاثمائة ألف دينار ، فأخذها صحبته ، وتجهز إلى الديار المصرية .
وكان رحيلته من دمشق في الخامس والعشرين من شوال ، منها . وكان سبب تأخره بدمشق ، هذه المدة ، أن الأمير فخر الدين يوسف بن الشيخ كان قد سير إليه جماعة من المماليك الصالحية ، يستحثه على سرعة الحضور . فأوهمه بعضهم أن فخر الدين حلف العساكر لنفسه ، وأنه متى حضر قتله ، واستقل بالأمر . فأنفق الملك المعظم الأموال