كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
تهيأ لك هذا كله ؟ فقلت : والله هذا كله من نعمتك وسماطك ، ما صنعت منه شيئاً ، وإنما اشتريته من عند باب القلعة . وحكى مباشرو البيوت بدمشق أن نفقة مطابخه كانت في كل يوم تزيد على عشرين ألف درهم . وكان إذا مات أحدٌ من أرباب الوظائف في دولته ، وله ولدٌ فيه أهلية ، فوض ما كان بيده من المناصب لولده . فإن كان صغيراً استناب عنه إلى أن يصلح . ومن مات من أرباب الرواتب والصدقات ، أقر ما كان باسمه باسم أولاده - رحمه الله تعالى .
وكان له شعر رقيق جيد . فمن شعره قوله ، يتشوق إلى حلب :
سقى حلب الشهباء في كل لزبةٍ . . . سحابة غيثٍ نوءها ليس يقلع
فتلك ربوعي ، لا العقييق ولا الغضا . . . وتلك دياري ، لا زرود ولعلع
إلا أنه كان ضعيف الرأي ، شغلته الملاذ والشعر والغزل وتلحين الأقوال عن النظر في أمر دولته . فآل أمره إلى ما ذكرناه .
هذا ما كان من أمر الملك الناصر - على سبيل الاختصار .
وبقي بعد مقتله عند التتار صغار أولاده ، الذين أسروا من حلب ، زمناً طويلاً بعد أن هلك هولاكو . ومات بعضهم هناك . وبقي منهم ولده الصغير نجم الدين أيوب ، فحضر إلى الشام ، ثم إلى الديار المصرية ، ورتب له راتب من جهة الملوك - أسوة أولاد الملوك الأيوبية . وهو باقٍ إلى وقتنا هذا ، مقيم بالقاهرة المعزية - حماها الله تعالى .