كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 253 """"""
وأما الملك المغيث فتح الدين عمر ابن السطان الملك العادل ، بن السلطان الملك الكامل ، بن السلطان الملك العادل بن أيوب - صاحب الكرك والشوبك
فإنه لما قبض الأمراء على والده - كما قدمنا ذكر ذلك - وملك عمه الملك الصالح نجم الدين أيوب الديار المصرية ، مشى في خدمته مدة . ثم رأى منه نجابةً ونبلاً وشهامة ، فأمر باعتقاله في الدار القطبية عند عمة السلطان وعمة والد الملك المغيث - وهي ابنة السلطان الملك العادل ، أخت الملك الكامل - رحمهم الله تعالى . فلم يزل عندها ، إلى أن مات الملك الصالح وملك ولده الملك المعظم تورانشاه . فأمر بإرساله إلى قلعة الشوبك ، واعتقاله بها . وندب لذلك الأمير عز الدين الحلي ، والأمير سيف الدين بلبان النجاحي ، فتوجها به إلى الشوبك ، واعتقلاه بها ، وعادا إلى الديار المصرية .
فما كان بأسرع من أن قتل الملك المعظم تورانشاه - كما ذكرنا - فلما اتصل خير مقتله بابن رسول ، وشهاب الدين عمر بن صعلوك - وكانا متوليي أمر الشوبك - نهضا وأخرجا الملك المغيث من الاعتقال ، وملكاه وحلفا له ، وحلفا من عندهما - وكانوا نحو عشرة - وحلفاه بالوفاء لهم . فأرسل إليهما بدر الدين بدر الصوابي الخادم - النائب بقلعة الكرك - وأنكر عليهم إقدامهما على هذا الأمر بغير إذنه . فأرسلا إليه يقولان : بك فعنا ذلك . فأعاد عليهما الجواب : إذا كان كذلك ، فانقلاه إلى عندي .
فحلف للملك المغيث وحلف الملك المغيث له ، وتوثق كلٌ منهما من صاحبه بأكيد الإيمان . فانتقل الملك المغيث من الشوبك إلى الكرك - في سنة تسع وأربعين وستمائة . وتسلم ما بها من الخزائن ، التي بقيت مما نقل إليها الملك الصالح نجم الدين أيوب - بعد ما أخذه الملك المعظم منها . فوجد بها تسعمائة ألف وتسعين ألف دينار عيناً . واستمر بالكرك والشوبك ، ورزق بها أولاده .
وراسل الملك الناصر صلاح الدين يوسف - صاحب دمشق وحلب - وأرسل إليه والده الملك العزيز : فخر الدين أبا المظفر عثمان ، برسالة . فأكرمه الملك الناصر وأبره وقربه ، وأجلسه في مجلسه بالقرب منه . ورتب له في كل يوم ألف درهم ، وأربعمائة جراية وأربعمائة عليقة ، وغير ذلك ، ونقله في مستنزهات دمشق ، وأقام عنده نحو ثلاثة شهور .

الصفحة 253