كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
ثم ركبه الملك الناصر بشعار السلطنة ، وأعاده إلى أبيه . وقد عامله بنهاية البر وغاية الإكرام .
وكان للملك المغيث أخبارٌ ، يأتي ذكرها في أثناء دولة الترك .
وبعث الملك المغيث ولده العزيز إلى هولاكو ، يلتمس له أمانا . وجهز معه شهاب الدين بن صعلوك والنجيب خزاعة - وهما أعيان أصحابه . فأخبرني الملك العزيز أنه اجتمع بهولاكو بتوريز ، فأمره بالجلوس ، مع صغر سنه في ذلك الوقت . فنظرت إليه الخاتون - زوجة هولاكو - وسألته بترجمان عن أمه ، وهل هي باقيةٌ أم لا ؟ فقال : هي باقيةٌ عند أبي . فقالت للترجمان : قال له : تحب أن أردك إلى أبيك وأمك ، أو تقيم عندي ؟ قال : فأعدت عليها : أنه لا أمر لي في هذا ، وإنما أبى أرسلني إلى القان يسأله الأمان لنفسه ولمن عنده ، وأنا تحت أوامره . فنهضت قائمةً وكلمت هولاكو ، وشفعت . فأشار إليها ، فقالت : قد أعطاك القان أماناً لأبيك ، ودستورا بالعود .
قال : فضربت له جوكاً ، ورجعت من عنده . وأرسل معي من التتار من يوصلني إلى الكرك ، ويكون بها شحنه . قال : فلما وصلت إلى دمشق نزلت بدار العقيقي ، ونزل التتار بمدرسة العادلية . وكان كتبغا نوين قد توجه للقاء العساكر المصرية . فكانت الكسرة على التتار - على ما نذكره .
قال : فاتصل الخبر بنا ، فتحصنا بدار العقيقي . فلما كان في نصف الليل رجع التتار هاربين . فقصدوا أخذي معهم ، فمانع عني من معي ، وأعجلهم الهرب عن حصار الدار ، فتركوني . قال : ولما جاء الأمير جمال الدين المحمدي إلى دمشق - قبل وصول الملك المظفر قطز إليها - خرجت إليه وتلقيته ، وسلمت عليه . فسأل عني ، فأخبر أنني ابن الملك المغيث ، فعوقني إلى أن قدم السلطان الملك المظفر قطز . فأمر بإرسالي إلى قلعة الجبل .
فنقل إليها . فكان بها معوقاً في برج ، عند الأمير سيف الدين بلبان النجاحي . إلى أن أعاده الملك الظاهر بيبرس إلى أبيه الملك المغيث - على ما نذكره إن شاء الله تعالى ، في أخباره .