كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 258 """"""
الملك المغيث عقب الصنجق ، وركب بشعار السلطنة .
وظن الملك المغيث أن الصلح قد انتظم بمقتضى هذه اليمين ، فركن إلى ذلك . ثم جهز والدته ي سنة إحدى وستين وستمائة إلى الملك الظاهر . فوجدها السلطان بغزة ، فأنعم عليها إنعاماً كبيراً ، وعلى من معها . وأجرى معها الحديث في وصول الملك المغيث إليه ، لينتظم الصلح شفاهاً ، وتتأكد أسبابه . وأعاد عليها العطاء ثانياً ، وجهزها إلى الكرك ، وجهز في خدمتها الأمير شرف الدين الجاكي المهمندار ، لتجهيز الإقامات للملك المغيث .
فاغتر الملك المغيث بذلك . واستخلف ابنه الملك العزيز فخر الدين بالكرك ، واستحلف له من تركه بقلعة الكرك ، وترك عنده بقية أولاده - إخوة الملك العزيز - وكان له سبعة أولاد ذكور ، أسهم الملك العزيز فخر الدين عثمان . وولد له بعد قبضه ابنان . وكان الملك العزيز ، يوم ذاك ، صغير السن ، فإن مولده - كما أخبرني به - في الأول من يوم الإثنين ثالث شوال ، سنة اثنتين وخمسين وستمائة .
وفارق الملك المغيث الكرك ، وتوجه إلى السلطان الملك الظاهر ، وهو بمنزلة الطور . فلما بلغ السلطان وصول الملك المغيث إلي بيسان ، ركب إليه وتلقاه ، وساقا جميعاً إلى منزلة السلطان . فلما وصل الملك المغيث إلى باب الدهليز ، ترجل ودخل إلى الخيمة . فأدخل على خركاه ، وقبض عليه وعلى من معه - وذلك في يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى ، سنة إحدى وستين وستمائة . وأظهر السلطان لقبضه سبباً ، نذكره في أخبار السلطان الملك الظاهر - إن شاء الله تعالى - تقف عليه بعد هذا .
ولما قبض عليه ، جهزه في تلك الليلة إلى قلعة الجبل - صحبة الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقاني . ولما وصل إلى قلعة الجبل ، أدخل البرج الذي كان به ولده الملك العزيز فخر الدين عثمان ، فقال للأمير سيف الدين بلبان النجاحي - متولي قلعة الجبل - : في هذا البرج كان ولدي عثمان ؟ قال : نعم .
ولم يستقر بذلك البرج ، بل نقل منه في يومه ، وأدخل إلى قاعة من قاعات الدور السلطانية ، فقتل من يومه . وكان آخر العهد به .

الصفحة 258