كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
وانقادوا له . إلا أنه لا يستطيع دفعهم عن كل ما يقصدونه من أذى . وأخذ أموالهم ، وكثرت جموعهم معه ، حتى زادوا على اثني عشر ألف فارس ، وستين ألف راجل ، بالسلاح والعدد .
فلما تم الصلح بين الملكين ، وتفرغ وجه السلطان الملك المعز من جهة الشام ، صرف فكرته إلى جهتهم ، وانتدب لحربهم الأمير فارس الدين أقطاي . واستشار الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحي في عدة العسكر الذي يقوم بحربهم ، فأشار بانتخاب ألفي فارس من العسكر ، والتزم أنه يفرق بهذه العدة جموعهم ، ويبيدهم بها .
فانتخب الأمير فارس الدين هذه العدة من العسكر ، وتوجه بهم - وصحبته الأمير عز الدين المذكور - وتوجه إلى جهة الصعيد ، وقصد العربان . وكانوا قد اجتمعوا بمكان يسمى الصلعا بمنشاة إخميم ، في البر الغربي - وهي أرض وسيعة ، تسع عدتهم . فساق الأمير فارس الدين ومن معه من العسكر ، من جهة الحاجز بالبر الغربي ، سوقاً عظيماً ، ما سمع الناس بمثله ، وانتهى إليهم في ثلاث علايق - وهذه المسافة لا يستطيع البريد أن يصل إليها في مثال هذه المدة ، إلا إن أجهد نفسه .
وطلع عليهم في صبح اليوم الرابع ، ودهمهم بعتة بهذا المكان . فلما شاهد كثرتهم ، كاد يقف عن ملاقاتهم ، وأنكر على الأمير عز الدين ، وقال : لقد غششتنا ، فإن هذه العدة التي معنا لا تقوم بهذه الجموع الكثيرة . فقوى نفسه ، وقال : أنا أعرف هؤلاء ، وهذه بلاد ولايتي . وحمل عليهم ، ورمتهم العسكر بالنشاب ، فما كان السهم يقع إلا في أحدهم . فما كان بأسرع من أن انهزموا أقبح هزيمة ، وأخذهم السيف . وتفرقت تلك الجموع ، واختفوا ، وغيروا لباسهم . وقتل منهم في المعركة والطلب خلق كثير .
ولما عاين الشريف حصن الدين انهزام أصحابه ، بادر بالهزيمة . وحمل معه ألف دينار ، واستصحب حظية له ، وتوجه إلى الوجه القبلى . ثم قبض عليه بعد ذلك - على ما نذكره ، إن شاء الله تعالى . وعاد الأمير فارس الدين إلى القاهرة بعسكره ، ومعه جماعة من العربان ، من جملتهم : ابن عم الشريف حصن الدين بن ثعلب ، فشنق تحت قلعة الجبل . ثم قتل الأمير فارس الدين أقطاي ، في هذه السنة .