كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 278 """"""
ركب إلى قلعة الجبل في يوم مقتله ، واجتمع بالسلطان ، وطلب منه أن ينعم على بعض البحرية بمال . فاعتذر الملك المعز أن الخزائن قد خلت من الأموال ، وقال له : توجه بنا إلى الخزانة لنشاهدها ، ونتحقق حالتها . فتوجها جميعاً إلى الخزانة من جهة الدور . وإنما فعل المعز ذلك ، لأن الوصول إلى الخزانة من جهة الدورحرج المسلك ، ويمر المار على بعض قاعات الحريم ، فلا يمكن استصحاب الكثير من المماليك . وكان الملك المعز قد كمن في عطفة من عطفات الدهاليز مملوكه الأمير سيف الدين قطز - ومعه عشرة من المماليك المعزية ، من ذوي القوة والإقدام . فلما وصلوا إلى ذلك المكان ، تأخر السلطان : واسترسل الأمير فارس الدين على ما هو عليه ، وتقدم إلى المكان . فوثبوا عليه ، وقتلوه . قال : وأمر الملك المعز بغلق قلعة الجبل ، فغلقت .
وركب مماليكه وحاشيته - وكانوا نحو سبعمائة فارس - وجماعة من البحرية ، وقصدوا قلعة الجبل ، وظنوا أنه قد قبض عليه ، ليطلقوه . فلما صاروا تحت القلعة ، أمر السلطان بإلقاء رأسه إليهم ، من أعلى السور فعلموا فوات الأمر فيه ، فتفرقوا . وكانت هذه الواقعة شبيهة بواقعة عمرو بن سعيد الأشدق مع عبد الملك بن مروان . وتفرق شمل البحرية لمقتله ، وانتشر نظامهم . وكان من خبره ما نذكره .
ولما قتل الأمير فارس الدين أقطاي ، وهرب البحرية ومماليكه ، ركب السلطان الملك المعز بشعار السلطنة بالقاهرة . وذلك في يوم الأحد ، سابع عشرين شعبان المذكور . وجهز الملك الأشرف ، الذي كان قد شركه معه في الملك إلى دمشق - في هذا الشهر . واستقل بالسلطنة . وانفرد بالأمر ، بعد مقتل الأمير فارس الدين أقطاي .
ومن المؤرخين من جعل هذا التاريخ ابتداء سلطنة الملك المعز ، وجعله فيما مضى أتابكاً للملك الأشرف مظفر الدين موسى . إلا أن الأمر منذ خلعت شجر الدر نفسها ، كان للملك المعز ، مع تمكن الأمير فارس الدين أقطاي من الدولة وتحكمه .
وفي هذه السنة ، أقطع الأمير جمال الدين أيد غدى العزيزي دمياط - زيادة على إقطاعه - وكان متحصلها يومئذ ثلاثين ألف دينار .
وفيها ، عزل قاضي القضاة : بدر الدين السنجاري ، عن تدريس المدرسة الصالحية ،

الصفحة 278