كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 280 """"""
فطلب الملك الناصر من الملك المعز القدس وجميع البلاد الساحلية - التي كان قد أخذها منه عند وقوع الصلح - بحكم أنها كانت جارية في إقطاع البحرية ، وأنهم انتقلوا إلى مملكته ، واستقروا في خدمته ، فأعادها الملك المعز إليه . فأمر الملك الناصر كل من له إقطاع في هذه البلاد على إقطاعه ، وكتب مناشير بذلك . وأقاموا في خدمته إلى سنة خمس وخمسين وستمائة .
ثم فارقوه ، لما رأوه من ضعف رأيه ، وتوجهوا إلى نابلس . وقصدوا الملك المغيث صاحب الكرك ، فوصلوا إلى خدمته - في عاشر شوال - فقبلهم وأكرمهم فالتمسوا منه المساعدة على قصد الديار المصرية ، وأوهموه أن الأمراء بالديار المصرية كاتبوهم ، وراسلوهم في ذلك . فجمع الملك المغيث من قدر عليه ، وسار بهم وبسائر البحرية - وذلك في سلطنة الملك المنصور نور الدين ، بن الملك المعز . فخرج إليهم الأمير سيف الدين قطز المعزى بالعساكر المصرية ، والتقوا واقتتلوا - في يوم السبت الخامس والعشرين ، من ذي القعدة ، سنة خمس وخمسين وستمائة . فانكسر الملك المغيث ، ومن معه من البحرية . واستولى العسكر المصري على أثقالهم ، وقتل : الأمير عز الدين الرومي الصالحي ، وسيف الدين الكافوري ، وبدر الدين إيغان الأشرفي . وأسر الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ، والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي .
ولما أسر الأمير سيف الدين قلاوون ، ضمنه الأمير سيف الدين قيزان المعزى أستاذ الدار السلطانية ، فما تعرض إليه أحد . وأقام بالقاهرة برهة يسيرة . ثم تسحب واختفى بالحسينية ، عند الأمير سيف الدين قطليجا الرومي . وقصد اللحاق بخوشداشيته ، فزوده وجهزه ، فتوجه إلى الكرك .
ثم فارق البحرية الملك المغيث ، وتوجهوا نحو الغور . فصادفهم الأمراء الشهرزورية ، عندما جفلوا من بلاد الشرق . فاجتمع البحرية بهم ، وتزوج الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري - وهو الملك الظاهر - منهم . فبلغ الملك الناصر ذلك ، فجهز جيشاً لقتالهم ، فالتقوا بالغور ، واقتتلوا . فانهزم العسكر الناصري . فغضب الملك الناصر لذلك ، وخرج بنفسه إليهم . فعلموا عجزهم عن مقابلته ، فتوجهوا إلى الملك المغيث بالكرك ، وتوجه الشهرزورية إلى الديار المصرية .
واتفق للأمير ركن الدين البندقداري مع الملك المغيث حكاية عجيبة . وهو أنه كان في يده نتوء في اللحم شبه خرزة ، فجلس في بعض الأيام بين يدي الملك المغيث

الصفحة 280