كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
وأضواهم حسا ، وأشرفهم نفسا ، وأصلحهم يوماً وأمسا . وأطهرهم وأورعهم . وأجداهم للإسلام وأنفعهم .
وكنا قد مثلنا كنانة العلماء بمصرنا ، فعجمنا عيدانها . واختبرنا أعيانها . فوجدنا المجلس العالي : القاضي الأجل ، الصدر الكبير ، الإمام العالم العامل الزاهد العابد ، الكامل الأوحد ، المجتبي المؤيد الأعز الأسعد ، تاج الدين جلال الإسلام ، ضياء الأنام ، بهاء الملة ، شمس الشريعة سيد الحكام ، قدوة العلماء : يمين الملوك والسلاطين ، قاضي قضاة المسلمين ، خالصة أمير المؤمنين : عبد الوهاب ، بن القاضي الفقيه ، الأجل الأعز ، أبي القاسم خلف - أدام الله تأييده وبسطته ، وتمكينه ورفعته - قد زادت صفاته على هذه الصفات ، وأوفت عليها أتم الموافاة . واختبرنا منه رجلاً ، لو عرضت عليه الدنيا لم يردها . ولو صور نفسه لم يزدها . ووقع على سيادته إجماع الحاضرين والبادين ، والمسودين والسائدين . وشهدوا بها ، ونحن على ذلك من الشاهدين . ففوضنا إليه ما فوضناه : من قضاء القضاة بمصر المحروسة ، والأقاليم القبلية ، وما معها . والأوقاف والمدارس وما جمعها - الجارية في نظر الحكم العزيز . ثم تجدد لنا نظر يعم المسلمين شانه ، ومنظر يرمقهم بالمصالح إنسانه . وعلمنا أن هذه الولاية بعض استحقاقه ، وأنها قليلة في جنب نصحه للمسلمين وإشفاقه . وأن صدره الرحيب لا يضيق بأمثالها ذرعا ، ولا يعجز - بحمد الله - أن يرعيها بصراً من إيالته وسمعا . إذ كان قد أحيي بها السنة السلفية ، وأظهر أسرار العدل الخفية . وزاد الحق بنظره وضوحا ، والمعروف دنوا والمنكر نزوحا - رأينا أن نجمع إليه قضاء القضاة بالقاهرة المعزية والوجه البحري ، وما كان يتولاه من قبله ، من أوقاف البلاد ومدارسها ، وربطها ومحارسها ، ومنابت العلوم ومغارسها .
وقد أكملنا له بذلك قضاء القضاة بجميع الديار المصرية : أرجاء وأكنافا ، ومداين وأريافا ، وأوساطاً وأطرافاً . وجعلناه الحاكم في أقضيتها ، والمتصرف في أعمالها ومدانيها . وأقاصي بلادها وأدانيها . وأطلقنا يده في أحكامها ، وما يراه من تولية وعزل لحكامها . والنظر فيما كان الحكام قبله يتولونه من الوقوف . وهو غنى أن يوصى بنهى عن منكر أو أمر بمعروف . لما فيه من صفات الكمال ، وشريف الخلال . ولم نستوف وصية في عهدنا إليه ولم نستقصها ، واستغنينا عن مبسوط الأقوال بملخصها - تحققاً أنه صاحب قياس الشريعة ونصها .