كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 290 """"""
من عظمها . قال : وكتبت الكتاب ، يوم خامس رجب ، وهي على حالها ، والناس منها خائفون . والشمس والقمر ، من يوم طلعت ، ما يطلعان إلا كاسفين . نسأل الله العافية .
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : بان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان . وكنا حيارى من ذلك ، لا ندري ما هو ؟ إلى أن اتضح ، وجاء هذا الخبر عن هذه النار .
وجاء كتاب آخر من بعض بنى القاشاني بالمدينة ، يذكر فيه خبر هذه الحادثة ، نحو ما تقدم ، ويقول : ومن قبل ذلك بيومين ، سمع الناس صوتاً مثل صوت الرعد - ساعة بعد ساعة - وما في السماء غيم ، حتى يظن أنه منه . ثم زلزلت الأرض في يوم الأربعاء المذكور آنفا ، فرجفت بنا رجفة لها صوت كدوي الرعد . ففزع الناس إلى المسجد ، وضجوا بالاستغفار والصلاة . ودامت ترجف بالناس ، ساعة بعد ساعة ، من ليلة الأربعاء إلى صبح يوم الجمعة . فارتجت الأرض رجة قوية ، إلى أن اضطرب بنا المسجد ، وسمع لسقف المسجد صرير عظيم وسكتت الزلزلة بعد صبح يوم الجمعة ، إلى قبل الظهر .
ثم ظهرت نار من الحرة تتفجر من الأرض ، فارتاع الناس لها روعة عظيمة . ثم ظهر لها دخان عظيم في السماء ، ينعقد ، حتى بقي كالسحاب الأبيض ، يتصل إلى قبيل مغيب الشمس من يوم الجمعة . ثم ظهر للنار ألسن تصعد إلى السماء حمر ، وعظمت حتى غطت حمرة النار السماء كلها . وبقي الناس في مثل ضوء القمر . وأيقن الناس بالهلاك والعذاب . وذكر من توبة الناس ، وفعل الأمير بالمدينة وعتقه مماليكه ، ووضعه المكوس ، نحو ما تقدم .
قال : وبقيت النار تلتهب التهاباً ، وهي كالجبل العظيم ، ولها حس كالرعد . فدامت كذلك . فدامت كذلك أياماً . ثم سالت في وادي أحيلين ، فتحدرت في الوادي إلى الشظاة ، حتى لحق سيلانها بالبحرة بحرة الحاج ، بحرة الحاج ، والحجارة معها تتحدر وتسير ، حتى كادت تقارب حرة العريض . ثم سكنت ووقفت أياماً . ثم عاد يخرج من النار حجارة أمامها وخلفها ، حتى بنت جبلين أمامها وخلفها ، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين لسان لها أياماً . ثم انها عظمت الآن ، وسناها إلى الآن ، وهي تتقد كأعظم ما يكون . ولها صوت عظيم من آخر الليل إلى صحوة في كل يوم . ولها عجائب ما أقدر أصفها ، ولا أشرحها لك على الكمال . وإنما هذا منها طرف . قال : وكتبت هذا الكتاب ، ولها شهر وهي في مكانها ، ما تتقدم ولا تتأخر .
وقال بعض أهل المدينة في ذلك شعراً ، وهو :
يا كاشف الضر : صفحاً عن جرائمنا . . . لقد أحاطت بنا يا رب بأساء

الصفحة 290