كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
ذكر خبر احتراق مسجد المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
وفي هذه السنة - في ليلة الجمعة أول شهر رمضان - احترق مسجد المدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام .
ابتدأ حريقه من زاويته الغربية ، من الشمال . وكان سبب ذلك أن أحد القومة دخل إلى الخزانة ، ومعه نار ، فعلقت في آلات ثم ، واتصلت بالسقف بسرعة ، ثم دبت في السقوف ، فأعجلت الناس عن قطعها . فما كان إلا ساعة ، حتى احترقت سقوف المسجد أجمع ، ووقعت بعض أساطينه وذاب رصاصها - وذلك قبل أن نام الناس . واحترق سقف الحجرة الشريفة .
قلت : وفي وقوع هذه النار معجزة لنبينا - ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإن الخلفاء والملوك بعده - ( صلى الله عليه وسلم ) - زادوا في عمارة المسجد بأنواع من العمارة ، وتفننوا في النقوش والإتقان ، وهو - ( صلى الله عليه وسلم ) - كره ذلك ، وقال - في مرضه الذي انتقل فيه إلى جوار ربه : لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . وقالت عائشة - رضي الله عنها - ولولا ذلك لأبرز قبره - ( صلى الله عليه وسلم ) . فجاءت هذه النار ، فأكلت ما كرهه ( صلى الله عليه وسلم ) .
واستهلت سنة خمس وخمسين وستمائة ذكر مقتل السلطان الملك المعز وشيء من أخباره ، ومقتل شجر الدر الصالحية
كان مقتله - رحمه الله تعالى - في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ، سنة خمس وخمسين وستمائة .
وسبب ذلك أن شجر الدر - سرية الملك الصالح زوجته - اتصل بها أنه سير يخطب ابنة صاحب الموصل . فتنكرت لذلك . وكان هو أيضاً قد تغير عليها ، بسبب امتنانها عليه ، وأنها هي التي ملكته الديار المصرية ، وسلمت إليه الخزائن . وعزم المعز على قتلها ، فلم يخفها ذلك . فبادرت بالتدبير عليه ، واتفقت هي ومحسن الجوجري الخادم ، ونصر العزيزي ، على قتله .
فلما كان في هذا التاريخ ، طلع الملك المعز من الميدان إلى قلعة الجبل عقيب اللعب بالكرة - فأمر بإصلاح الحمام ، وعبر إليها . فدخل عليه محسن الجوجري ، وغلام له شديد القوة ، فقتلوه في الحمام