كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
وشاع الخبر بقتله ، في بكرة نهار الأربعاء ، فسمر محسن الجوجري الخادم وغلامه على باب قلعة الجبل . وأما نصر العزيزي فإنه هرب إلى الشام . وأحضرت شجر الدر إلى أم نور الدين بن الملك المعز ، فمازالت تضربها - وهي وجواريها وخدمها - إلى أن ماتت . وألقيت من أعلى السور إلى الخندق . وبقيت أياماً عريانة ملقاة في الخندق . ثم حملت ودفنت في تربتها المجاورة لمشهد السيدة نفيسة .
وكانت شجر الدر هذه سرية الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وهي والدة خليل ابنه . وكانت قد ملكت الديار المصرية ، وخطب لها وخرجت تواقيعها ومناشيرها ، بالأرزاق والمباشرات والإقطاعات - وقد تقدم ذكر شيء منها . ولما ملك السلطان الملك المعز وتزوجها ، ما زالت تخاطب بالسلطنة ، وتخرج تواقيعها بالإطلاقات وإبطال الحوادث وكف المظالم ، فتنفذ كنفوذ التواقيع السلطانية .
وقد شاهدت منها توقيعاً على ظهر قصة ، مترجمها على بن هاشم ، مضمونها : يقبل الأرض بالمقام العالي السلطاني الخاتوني ، عصمة الدين ، بسط الله ظلها في مشارق الأرض ومغاربها - وينهى أن له خدمة على مولانا الشهيد - قدس الله روحه - وله مليك اقتناه في أيامه ، ولم يسقع عليه قط . وفي هذه الأيام التمسوه ، وسأل إجراءه على عادته ، من غير حادث . وخرج التوقيع في ظهرها ، ومثال العلامة عليه : والدة خليل الصالحية : المرسوم ، بالأوامر العالية المولوية السلطانية - زادها الله شرفاً وعلواً - أن يجرى الأمير الأجل الأخص الأمجد الأعز : نور الدين مترجمها - أدام الله توفيقه - على عادته . ولا يطلب بسبب تصقيع ولا غيره ، وليعف من ذلك - رعاية لحق خدمته على الدولة الشريفة ، ولقدم هجرته وانقطاعه إلى الله تعالى . فليعتمد ذلك بعد الخط الشريف أعلاه وثبوته - إن شاء الله تعالى . كتب في ثاني عشرين جمادي الآخرة ، سنة ثلاث وخمسين وستمائة - برسالة الطواشي شرف الدين مختص الجمدار - أيده الله تعالى .
وكتب عليه بالامتثال . ونفذ حكمه وعمل بمقتضاه . وإنما شرحنا هذا التوقيع ، ليعلم أن تواقيعها كانت جارية بلفظ السلطنة ، في الدولة المعزية .
وكانت مدة سلطنة الملك المعز ست سنين وأحد عشر شهراً ، إلا أربعة أيام . وكان ملكا حازماً شجاعاً ، سئوساً حسن التدبير - إلا أنه كان سفاكا للدماء . قتل جماعة