كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
أود . واستغنى في تدبير سلطانه العظيم عن وزير به يعتضد .
أحمده على نعم سهلت صعبا . وسقت على ظمأ بارداً عذبا . ورجع بها ما ضاق من الأمور واسعاً رحبا . والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الذي أضحى به معهد الإيمان معهودا . ونظام المكرمات منضودا . وعلى آله وأصحابه ، الذين كان سعيهم في الإسلام محمودا ، وأنوار مناقبهم متوقدة لا تعرف خمودا .
وبعد ، فلما كان المجلس السامي ، الصاحب الأجل ، الصدر الكبير ، الإمام العالم ، الوزير الكامل ، المجتبى المختار ، تاج الدين ، بهاء الإسلام ، مجد الأنام ، شرف الوزراء زين الفضلاء ، رئيس الأصحاب ، صفوة الملوك والسلاطين ، مفتى الفرق ، خالصة أمير المؤمنين : عبد الوهاب ابن القاضي الأعز خلف - أدام الله سعادته ، وقرن بالتأييد بدأه وإعادته - ممن سلكت به التجربة حزناً وسهلا ، وراض جامح الأمور ناشئاً وكهلا ، وتمت كلمات تفضيله بفضائله صدقاً وعدلا ، وجددت له مساعيه الحميدة ملابس ثناء لا تبلى . وأجلى من أبكار معانيه بدوراً لا تعرف أفولاً ولا كسوفاً ، واستل من آرائه شعلاً ، فلو طبعت لكانت سيوفاً . واتسق نظام بلاغته ، فكأنه نظام فريد . واستعيدت ألفاظه فما أخلقها العود على المستعيد . وحلى بدرر مساعيه جيداً من الملك عاطلا ، وعاد ربع المكارم بمناقبه عامراً آهلا .
رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني ، الملكي المنصوري النوري - شرفه الله وأعلاه ، وأنفذه وأمضاه - أن يفوض إليه أمر الوزارة ، لما علم فيه من السودد الذي اقتاد به صعب المكارم والمفاخر ، التي حاز منها ما لم يحزه الأوائل ، وإن جاء في الزمن الآخر . والفضائل التي فاز منها بقصب السبق ، والأحكام التي تحلى فيها بدر الأناة والرفق . والسياسة التي سلك بها نهج السبيل إلى الحق . والمعالي التي أبدى في كسبها ما أبداه ، من ثغره الضاحك ووجهه الطلق . والنزاهة التي أهلته لأشرف المناصب ، وقضت له بسلامة العواقب ، والصنايع التي غذت معارفه عند مناكرة النوائب ، والمكارم التي لحت في العلو ، فكأنها تحاول أخذ ثأر من الكواكب .
ولقد أمعنا النظر في إرتياده . وانتقدناه من بين الناس ، فلم نأل جهداً في انتقاده . وخطب لهذه الرتبة الرفيعة لما أوراه في المكرمات من زناده . وأهل لهذا المنصب الشريف الذي يدع الآباء والأبناء من حساده .
فليتول ما وليناه من أمر الوزارة ، فهو لها من الأكفاء . وما اصطفيناه إلا هو جديرٌ