كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 302 """"""
ذكر خبر المصاف الكائن بين السلطان الملك المظفر ومن معه من الجيوش الإسلامية ، وبين جيش التتار على عين جالوت . وانهزام التتار وقتل مقدمهم كتبغا نوين ، وما يتصل بذلك من الأخبار
لما ملك التتار الممالك الشامية ، وزالت دولة الملك الناصر صلاح الدين يوسف من الشام - كما قدمنا ذكر ذلك - راسل كتبغا نوين ، مقدم جيش التتار ، السلطان الملك المظفر ، وأرسل إليه ، يطالبه ببذل الطاعة ، وتعبئة الضيافة . فقتل الملك المظفر رسله ، إلا صبياً واحداً ، فإنه استبقاه ، وضمه إلى جملة مماليكه .
واستعد للجهاد ، وخرج بعساكر الديار المصرية ، ومن انضم إليه من جيوش الشام - الذين فارقوا الملك الناصر - ومن حضر إليه من الأمراء البحرية ، والأمراء الشهرزورية ، وغيرهم .
وراسل الملك الأشرف مظفر الدين موسى ، صاحب حمص - وكان قد عاد من جهة هولاكو من حلب - وفوض إليه نيابة السلطنة بالشام أجمع ، وحلب ، وغير ذلك ، والملك السعيد بن الملك العزيز عثمان بن الملك العادل - وكان قد أخذ من هولاكو فرماناً بالصبيبة وبانياس . وسألهما المظافرة والمعاونة على حرب العدو ، وأن تكون الكلمة واحدة . فتوجه رسوله ، واجتمع بالملك السعيد . فسبه وسب من أرسله ، وقال : من هو الذي يوافق هذا الصبي ، أو يدخل في طاعته أو ينضم إليه ؟ ونحو هذا من الكلام . ففارقه وتوجه إلى الملك الأشرف . فخلا الملك الأشرف بالرسول ، وقبل الأرض بين يديه تعظيما لمرسله . وأجلسه مكانه على مرتبته وجلس بين يديه ، وسمع رسالته . وقال له : قبل الأرض بين يدي مولانا السلطان الملك المظفر ، وأبلغه عني أنني في طاعته وموافقته ، وامتثال أمره . والحمد لله الذي أقامه لنصرة هذا الدين . ووعد أنه ، إن حضر المصاف مع التتار ، انهزم بهم ، إلى غير ذلك . وأعطى الرسول ذهبا جيداً ، واعتذر إليه .
فعاد الرسول ، وأبلغ الملك المظفر عن كل من الملكين ما قال له . فعامل كلا منهما ، عند ظفره ، بما نذكره .

الصفحة 302