كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
قال : وجمع السلطان الملك المظفر الأمراء بالصالحية ، واستشارهم : أين يكون لقاء العدو ؟ فأشاروا أن يكون بالصالحية . وصمموا على ذلك . فوافقهم على رأيهم ظاهراً . وركب في صبيحة ليلة المشورة من منزلة الصالحية . وحرك الكوسات ودخل الرمل . فانجرت العساكر خلفه ، ولم يتخلف منهم أحدٌ عنه . وسار بعساكره وجموعه ، حتى انتهى إلى عين جالوت - من أرض كنعان ، بالقرب من بيسان ، مدينة غور الشام .
وأقبل كتبغا نوين بجيوش التتار ، ومن انضم إليه . والتقوا واقتتلوا - وذلك في يوم الجمعة ، الخامس والعشرين من شهر رمضان ، سنة ثمانٍ وخمسين وستمائة . وثبت الملك المظفر أحسن ثبات . حكى بعض من حضر هذه الواقعة قال : كنت خلف السلطان الملك المظفر ، لما التحم القتال ووقعت الصدمة الأولى ، فاضطر جناح عسكر السلطان ، وتتعتع طرفٌ منه . فلما رأى الملك المظفر ذلك ، رمى خوذته عن رأسه ، وصاح : وا إسلاماه وحمل ، فأعطاه الله تعالى النصر . وكانت الدائرة على التتار ، وأخذهم السيف والإسار . وقتل كتبغا نوين ، فيمن قتل . وانهزم من سلم من التتار ، لا يلوون على شيء . وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ممن شهد هذه الوقعة ، وأبلى يومئذ بلاءً حسناً .
وكان ممن أسر من التتار ، في هذه الوقعة : كتبغا المنصوري - وهو يومئذ شاب - وهو الذي ملك الديار المصرية - بعد ذلك - في سنة أربع وتسعين وستمائة ، ولقب بالعادل . ووقع في ذلك حكايةٌ غريبة ، نذكرها - ان شاء الله تعالى - عند ذكرنا لسلطنة الملك العادل كتبغا .
قال : ولما تمت الهزيمة على التتار ، جاء الملك السعيد - بن الملك العزيز - إلى السلطان الملك المظفر ، مستأمناً . وكان شهد الوقعة مع التتار . فترجل عن فرسه ، وتقدم إلى السلطان ليقبل يده . فضربه برجله على فمه ، فأدماه . وجاء أحد سلاح دارية