كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 306 """"""
رحمه الله تعالى . فكأنه المعني بقول الشاعر :
وما كان إلا السيف ، لاقى ضريبة . . . فقطّعه ، ثم انثنى فتقطّعا
وكانت مدة ملكه أحد عشر شهرا ، وسبعة عشر يوماً .
وأما غير ذلك من أحواله - رحمه الله تعالى - : فقد حكى أنه كان من أولاد الملوك الخوارزمية . وأنه محمود بن ممدود ، ابن أخت السلطان خوارزم شاه . وإنما أبيع ، لما استولى التتار على البلاد ، وملكوا ملك الخوارزمية . وقتلوا الرجال وأسروا النساء والصبيان ، وكان هو ممن أسر وأبيع . وقد كان هو يصرح بذلك - فيما حكى عنه - ويستكتم من يحكيه له .
وقد نقل الشيخ شمس الدين : محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم ابن عبد العزيز ، بن أبي الفوارس الجزري ، ثم الدمشقي - في تاريخه : حوادث الزمان وأنبائه أن والده أخبره أن الحاج على الفراش أخبره ، قال : لما كان قطز في رق ابن الزعيم بدمشق - وكان سكنه بالقصاعين - غضب عليه في بعض الأيام فلطم وجهه ، ولعنه ولعن والديه وجده . قال : فبكى قطز بكاءً شديدا ، وجعل ينتحب طول نهاره ، وامتنع من الأكل . وركب أستاذه بعد صلاة الظهر إلى الخدمة ، فقال لي : استرضه وأطعمه ، واعتبه على بكائه .
قال الفراش : فجئت إليه وجعلت ألومه على بكائه من لطمة واحدة ، فكيف لو ضربت ألف عصاة أو دبوس ، أو جرحت بسيف ؟ فقال : والله ما بكائي وغيظي من أجل لطمة ، وإنما كونه لعن أبي وأمي وجدي . فقلت له : ومن أبوك وجدك وأمك ؟ فقال : والله أبي خير من أبيه ، وأمي خير من أمه ، وجدي خير من جده . فقلت له : أنت مملوك تركي ، كافر بن كافرين .
فقال : والله ، ما أنا إلا مسلمٌ ، ابن مسلمين : أنا محمود بن ممدود ، ابن أخت خوارزم شاه ، من أولاد الملوك . قال : فسكت عنه وطايبته . وتقلبت به الأحوال ، إلى أن ملك الديار المصرية والشام . ولما ملك دمشق أحسن إلى الحاج على الفراش المذكور ،

الصفحة 306