كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 307 """"""
وأعطاه خمسمائة دينار ، ورتب له راتباً جيداً .
قال الشيخ شمس الدين : وقد حكى لي ولوالدي ، هذه الحكاية عنه . هذا معنى كلامه ولفظه . ومما يؤيد هذه الحكاية أيضاً - ويشهد لها - ما حكاه الشيخ شمس الدين - المذكور - عن والده ، قال : حكى لي الحاج أبو بكر بن الدريهم الإسعردي ، والحاج زكي الدين إبراهيم الجزري - المعروف بالجبيلي ، أستاذ الفارس أقطاي - قالا : كنا عند الأمير سيف الدين قطز في أول دولة أستاذه : الملك المعز ، وقد حضر عنده منجمٌ ورد من بلاد المغرب - وهو موصوف بالحذق في علم الرمل والفلك . فأمر قطز أكثر من عنده من حاشيته بالانصراف ، فانصرفوا . وهممنا بالقيام ، فأمرنا بالجلوس ، فجلسنا . وما ترك عنده إلا من يثق به من خواصه . وقال للمنجم : اضرب الرمل . ففعل . وحدثه بأشياء كثيرة ، مما كان في نفسه .
وكان آخر ما قال له : اضرب وانظر من يملك بعد أستاذي ، ومن يكسر التتار ؟ فضرب ، وحسب حساباً طويلاً ، وبقي يفكر ويعد أصابعه . وقال : قد طلع معي خمس حروف بغير نقط ، وأبوه أيضاً خمس حروف بغير نقط . وأنت اسمك ثلاث حروف ، وابن السلطان كذلك . فقال له : لم لا تقول : محمود بن ممدود ؟ فقال المنجم : لا يقع غير هذا الاسم . فقال قطز : أنا محمود بن ممدود . وأنا أكسر التتار ، وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه . ثم استكتمنا هذا الأمر . وأنعم على المنجم بثلاثمائة درهم ، وصرفه .
وحكى عن المولى المرحوم تاج الدين أحمد بن الأثير - رحمه الله تعالى - ما معناه : أن الملك صلاح الدين يوسف صاحب الشام - رحمه الله تعالى - لما كان على برزة ، في أواخر سنة سبع وخمسين وستمائة - وصل إليه قصادٌ من الديار المصرية ، بكتب ، تتضمن أن قطز قد تسلطن وملك الديار المصرية ، وقبض على الملك المنصور بن أستاذه الملك المعز . قال القاضي تاج الدين : فطلبني السلطان - رحمه الله - فقرأت عليه الكتب .
فقال لي : خذ هذه الكتب ، وتوجه إلى الأمير ناصر الدين القيمري ، والأمير جمال الدين بن يغمور ، وأوقف كلاً منهما عليها . قال : فأخذتها وخرجت من عنده . فلما

الصفحة 307