كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
بعدت عن الدهليز ، لقيني حسام الدين البركة خاني ، فسلم علي ، وقال ، جاءكم بريدٌ أو قصادٌ من الديار المصرية فوريت ، وقلت : ما عندي علمٌ بشيء من هذا . قال : قطز يتسلطن ، ويملك الديار المصرية ، ويكسر التتار . قال القاضي تاج الدين : فعجبت من كلامه ، وقلت له : ايش هذا القول ؟ من أين لك هذا ؟ قال : والله هذا قطز هو خوشداشي . كنت أنا واياه عند الهيجاوي من أمراء مصر ، ونحن صبيان . وكان عليه قملٌ كثير ، فكنت أسرح رأسه - على أنني كلما أخذت عنه قملة ، آخذ منه فلساً أو صفعة . فلما كان بعض الأيام أخذت عنه قملاً كثيراً ، وشرعت أصفعه ، ثم قلت في غضون ذلك : والله ما أشتهي إلا أن الله يرزقني إمرة خمسين فارسا ، فقال لي : طيب قلبك ، أنا أعطيك إمرة خمسين فارسا . فصفعته ، وقلت : والك ، أنت تعطيني إمرة ؟ قال نعم فصفعته فقال لي : والك ، ايش يلزم لك إلا إمرة بخمسين فارس ، أنا والله ، أعطيك . قلت : والك ، كيف تعطيني ؟ .
قال : أملك الديار المصرية : قلت : تملك الديار المصرية ؟ قال : نعم ، رأيت النبي - ( صلى الله عليه وسلم ) - في المنام ، وقال لي : أنت تملك الديار المصرية ، وتكسر التتار . وقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا شك فيه . فسكت . وكنت أعرف منه الصدق في حديثه وعدم الكذب .
وتنقلت به الأحوال ، وارتفع شأنه . إلى أن صار هو المحتكم في الدولة . وما أشك أنه يملك الديار المصرية - مستقبلاً - ويكسر التتار - كما أخبره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) - في المنام .
قال القاضي تاج الدين : فلما قال لي هذا القول ، قلت له : والله قد وردت الأخبار أنه تسلطن في الديار المصرية . قال لي : والله ، وهو يكسر التتار . فما مضى إلا مدةٌ يسيرة ، حتى خرج وكسر التتار .
قال المولى تاج الدين - رحمه الله - فرأيت الأمير حسام الدين البركة خاني ، الحاكي لي - بعد ذلك - بالديار المصرية ، بعد كسرة التتار . فسلم علي وقال لي : تذكر ما قلت في الوقت الفلاني ؟ قلت : نعم . قال : والله ، حالما عاد الملك الناصر من قطيا ، ودخلت أنا إلى الديار المصرية ، أعطاني إمرة خمسين فارساً ، كما قال - رحمه الله - لا زايد على ذلك .
وقد ذكر هذه الحكاية الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه ، وقال أيضاً :