كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 309 """"""
وحكى لي الأمير عز الدين بن أبي الهيجا ما معناه : أن الأمير سيف الدين بلقاق حدثه ، أن الأمير بدر الدين بكتون الأتابكي حكى له ، قال : كنت أنا والملك المظفر قطز ، والملك الظاهر ركن الدين بيبرس - رحمهم الله تعالى - في حال الصبا ، كثيراً ما نكون مجتمعين في ركوبنا وغير ذلك . فاتفق أن رأينا منجماً في بعض الطرق بالديار المصرية . فقال له الملك المظفر : أبصر نجمي . فضرب بالرمل وحسب ، وقال له : أنت تملك هذه البلاد ، وتكسر التتار فشرعنا نهزأ به . ثم قال له الملك الظاهر : فأبصر نجمي . فضرب بالرمل وحسب ، وقال : وأنت تملك الديار المصرية وغيرها . فتزايد استهزاؤنا به ثم قالا لي : لا بد أن يبصر نجمك . فقلت له أبصر لي . فضرب وحسب ، وقال لي : وأنت تحصل لك إمرة بمائة فارس ، يعطيك هذا - وأشار إلى الملك الظاهر . فاتفق أن الأمر وقع كما قال . وهذا من عجيب الاتفاق .
قال الشيخ قطب الدين اليونيني - نفع الله به - : وكان السلطان الملك المظفر بطلاً شجاعاً ، ولم يكن يوصف بشح ولا كرم ، بل كان متوسطاً . وهو أول من أجترأ على التتار ، وكسرهم ، بعد خوارزم شاه ، كسرةً عظيمة ، جبر بها الإسلام .
قال : ومما حكى لي عنه : أنه قتل في يوم المصاف جواده بعين جالوت ، ولم يصادف في تلك الساعة أحدٌ من أوشاقيته ، الذين معهم جنائبه ، فبقي راجلا . ورآه بعض الأمراء الشجعان ، فترجل عن حصانه وقدمه له ليركبه . فامتنع ، وقال له ما معناه : ما كنت لآخذ حصانك في هذا الوقت ، وأمنع المسلمين الانتفاع بك ، وأعرضك للقتل . وحلف عليه أن يركب فرسه . فامتثل أمره ، وركب . ووافاه الأوشاقية بالجنائب ، فركب جنيباً .
فلامه بعض خواصه على ذلك ، وقال : لو صادفك - والعياذ بالله - بعض المغل ، وأنت على الأرض راجلا ، كنت رحت ، وراح الإسلام فقال : - أما أنا فكنت أروح إلى الجنة - إن شاء الله تعالى . وأما الإسلام ، فما كان الله عز وجل ليضيعه . فقد مات الملك الصالح ، وقتل ولده الملك المعظم ، والأمير فخر الدين بن الشيخ - مقدم العساكر - ونصر الله الإسلام ، بعد اليأس من نصره - يشير إلى نوبة المنصورة .

الصفحة 309