كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
الصاحب لذلك وانتهره ، لإساءته في مجلسه بالضحك .
فأسرع الأعز في القيام إلى داره . فلما قام ، قال بعض من حضر للصاحب : لا تأمنه من سوء يكيدك به . وأغروه به ، فأمر باحضاره . فلما جاءه الرسول ، علم أنه إن وقع في يده لا يأمنه على نفسه . فتسور من مكان في داره ، وطلع إلى القلعة ، واحتمى بالكامل . فلما سمع الصاحب بذلك طلبه من الكامل ، فدافعه به . فغضب واجتمع بالملك العادل ، وقال : ان الأعز لزمه حساب ، وقد أحماه الكامل علينا . وكرر عليه القول . فتحدث العادل مع ابنه الكامل في ذلك ، فقال : يصلح بينهما . وقصد الكامل بذلك مدافعة الأيام ، ليقع سفر العادل إلى الشام معه ، فيسكن ما عند الصاحب منه ، فلم يزده ذلك إلا حنقاً .
فلما كان في آخر ذي الحجة - سنة ثمان وستمائة - ركب الكامل إلى دار الوزارة ، وحضر مجلس الوزير ، والأعز معه ، وأصلح بينهما . فاصطلحا ظاهراً ، والبواطن بخلاف ذلك . وقصد الصاحب أن الأعز إذا انصرف إلى داره ، قبض عليه ، فلم يفارق الأعز الخدمة الكاملية بالقلعة . فازداد الصاحب حنقاً عليه ، وتحدث مع العادل أن يعزل عن نظر الدواوين . فتوقف السلطان في ذلك .
وتمادى الأمر ، إلى آخر صفر . فامتنع الصاحب من الكتابة على المناشير والتواقيع ، وحلف أنه لا يباشر والأعز يكتب معه أيداً ، فتعطلت أحوال الناس ، وشكوا ذلك إلى السلطان . فأرسل إلى الصاحب بروضه ، ويقول : لا بد أن أمكنك من الأعز ، وهو لا يزداد إلا غضباً وإساءة في الجواب . فإذا عاد رسول السلطان إليه ، لا يمكنه مخاطبته بما قاله الصاحب ، ويغالط في الجواب . فأرسل السلطان بعض الأمراء إلى الصاحب برسالة ، ومعه أحد مماليكه ، وقال له احفظ ما يقوله الصاحب ، وأعده علي . فكان من جملة قول الصاحب : والله لاكتبت والأعز يكتب معي أبداً . فعند ذلك ، خرج السلطان على ابنه الكامل وانتهره ، وأغلظ في القول ، وقال : يسلم الأعز إلى الصاحب في هذه الساعة .
فلما عاد الكامل إلى القلعة ، تلقاه الأعز على عادته . فقال : قد أمر السلطان بتسليمك للصاحب ، وخرج علي بسببك ، وعجزت عن حمايتك . فقال له الأعز : يا مولانا ، والله عداوتي للصاحب بسببك وهو أنه كاتبني في حقك أنه لا بد أن يعمل على صرفك من مملكة الديار المصرية ، وأن يجعل عوضاً عنك الأشرف موسى . وهذه كتبه إلي . فلما وقف الكامل على الكتب كان من جملة ما تضمنته : وأما هذا المجنون - يشير إلى الكامل - فلا بد من صرفه ، وإحضار الأشرف إلى الديار المصرية . وتضمنت من سبه وشتمه كثيراً .
فعاد الكامل للعادل ، والكتب معه ، وجاء في غير الوقت المعتاد . فقال له العادل :

الصفحة 36