كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
وذلك أن قاضي عسقلان كان قاضي البلاد الشمالية من ساحل الشام ، وبيسان في ولايته . وكان إذا خرج إليها قاضٍ لحقه من الوخم ما يوجب مرضه ، ومنهم من يموت . فقرر قاضي عسقلان على الشهود أن يخرج كل واحد منهم إلى بيسان ثلاثة أشهر ، ويعود ، ويخرج غيره . فجاءت النوبة لحد القاضي الفاضل ، فمضى إليها وصح بها جسمه . فاختار الإقامة بها . فأجيب إلى ذلك وعمر بها أملاكاً ، فعرف بالبيساني .
ثم تقلبت بوالد القاضي الأحوال إلى أن ولي القضاء بعسقلان ، والنظر في أموالها . وبقي إلى زمن الظافر ، فدخل إلى مصر لمحاققة واليها بسبب كندٍ كبيرٍ ، من الفرنج كان الوالي داجى عليه وأطلقه . فانتصر بعض الأمراء للوالي ونصروه ، فخانق الأسعد . وصودر ، ووقع التحامل عيه ، إلى أن لم يبق له شيء .
وخرج ولده الفاضل إلى ثغر الإسكندرية ، واجتمع بابن حديد - القاضي والناظر بها - وعرفه بوالده فعرفه بالسمعة ، فاستكتبه ابن حديد ، وأطلق له معلوماً . وبقيت كتبه ترد إلى مجلس الخلافة بخط الفاضل وهي مشحونةٌ بالبلاغة . فكشف عن ذلك ابن الخلال والجليس بن الحباب - وكانا في ديوان المكاتبات - فحسداه على فضيلته ، وعلما أنه يتقدم ، فقالا للظافر عنه : انه قصر في المكاتبة .
وكان صاحب ديوان المجلس - الأثير بن بنان - يحكى أنه دخل على الظافر ، فأمره أن يكتب لابن حديد بقطع يد كاتبه ، بسبب أنه جعل بين السطرين الأولين مقدار شبر ، وهذا سوء أدب ، فقال الأثير للظافر : يا أمير المؤمنين ، تأمر بإحضار الكتب ، فأحضرت . فلما قرأها الأثير علم فضل الفاضل ، فقال له : هذا الكاتب لم يحصل منه سوء أدب ، وانما حسد على بلاغته ، فعمل على أذاه . فقال : اكتب لابن حديد يسيره