كتاب الحوار مع أتباع الأديان - مشروعيته وآدابه
حتمية الخلاف
إن التعدّد في المخلوقات وتنوّعها سنة الله في الكون وناموسه الثابت، فلكل شيء في هذا الخلق طبيعته وخصائصه وصفاته التي تقارب غيره أحياناً، وتتنافر عنها في أحايين أخرى، وهكذا فطبيعة الوجود في الكون أساسها التّنوّع والتّعدّد.
والإنسانية خلقها الله وفق هذه السنة الكونية، فاختلف البشر إلى أجناس مختلفة وطبائع شتى، وكلّ من تجاهل وتجاوز أو رفض هذه السُّنة الماضية لله في خلقه، فقد ناقض الفطرة وأنكر المحسوس.
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر بعض صور الاختلاف بين البشر، كاختلاف الألوان واللغات، وهما فرع عن اختلاف الأجناس والقوميات: {ومن آياته خلق السّموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين} (الروم: 22).
وقد أكدت الآيات أن اختلاف البشر في شرائعهم هو أيضاً واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته، يقول الله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً} (المائدة: 48).
قال ابن كثير: "هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد ". (¬1)
وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} (هود: 118 - 119).
قال ابن حزم: "وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كونٍ، كما أراد الكفر وسائر المعاصي". (¬2)
¬_________
(¬1) تفسير القرآن العظيم (2/ 67).
(¬2) الإحكام في أصول الأحكام (2/ 64).
الصفحة 13
85