كتاب الحوار مع أتباع الأديان - مشروعيته وآدابه

فإن أعرض من أعرض عن الإسلام فإنما أمر الله المسلمين بإبلاغ رسالاته في الدنيا، والله يتولى حساب المعرضين في الآخرة، قال الله مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ} (النحل: 82).
قال القرطبي: " فإن تولوا أي أعرضوا عن النظر والاستدلال والإيمان؛ فإنما عليك البلاغ، أي ليس عليك إلا التبليغ، وأما الهداية فإلينا". (¬1)
وقال تعالى: {فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد} (آل عمران: 20).
قال الطبري: " وإن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام وإخلاص التوحيد لله رب العالمين، فإنما أنت رسول مبلغ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي وأداء ما كلفتك من طاعتي، {والله بصير بالعباد} يعني بذلك: والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه، فيطيعك بالإسلام، وبمن يتولى منهم عنه معرضاً فيرد عليك ما أرسلتك به إليه، فيعصيك بإبائه الإسلام ". (¬2)
قال الشوكاني في سياق شرحه لقول الله تعالى: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} (الرعد: 40): " أي: فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم، لما بلّغته إليهم، {وعلينا الحساب} أي: محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها، وليس ذلك عليك.
وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به، وليس عليه غيره، وأن من لم يجب دعوته ويصدق نبوته، فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك". (¬3)
وقال تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر - لست عليهم بمسيطر} (الغاشية: 21 - 22).
قال الطبري: " يقول: لست عليهم بمسلَّط، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد، يقول: كِلْهم إليّ، ودعهم وحكمي فيهم ... ". (¬4)
¬_________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن (10/ 161).
(¬2) جامع البيان (3/ 215).
(¬3) فتح القدير (3/ 90).
(¬4) جامع البيان (30/ 166).

الصفحة 16