كتاب الحوار مع أتباع الأديان - مشروعيته وآدابه

تاريخ الحوار
منذ سطع نور الإسلام على الدنيا أدرك المسلمون طبيعة دينهم وعالمية رسالته، فقاموا يدعون الناس إلى هديه، فبدأ الحوار بين المسلمين ومشركي قريش، وسجل القرآن في آياته الكثير من هذه الحوارات، وتولى فيها الرد على المشركين.
وكان من أهم مناسبات الحوار هجرة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحبشة، وحوارهم مع النجاشي حول قول المسلمين في المسيح وأمه عليهما السلام.
وحين انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بدأ الحوار مع أهل الكتاب من قطّان المدينة المنورة، وقد نقل القرآن الكثير من الحوارات التي طَلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجريها مع أهل الكتاب، والكثير منها كان يبدأ بقوله تعالى: {يا أهل الكتاب} (النساء: 171، المائدة: 15، 19، 59، 68، 77).
ومن حواره - صلى الله عليه وسلم - مع يهود المدينة أن حبراً من اليهود يقال له مالك بن الصيف جاء يخاصم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟)) وكان حبراً سميناً.
فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك، ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} (الأنعام: 91). (¬1)
وكان أهم اتصال بالنصرانية قدوم وفد نصارى نجران إلى المدينة وبقاؤهم فيها أياماً يناظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أذن لهم رسول الله بالصلاة في مسجده، وقال لأصحابه: ((دعوهم)) (¬2)، ونزل بسبب هذه الزيارة بضع وثمانون آية من صدر سورة آل عمران.
¬_________
(¬1) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 267)، وابن أبي حاتم في تفسيره ح (7630).
(¬2) ذكره ابن هشام في سيرته (1/ 511)،، ونقل مثله ابن القيم في زاد المعاد عن أبي أمامة (3/ 630 - 631)، وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (4/ 5).

الصفحة 19