كتاب الحوار مع أتباع الأديان - مشروعيته وآدابه

ويأمر الله عباده أن يقولوا التي هي أحسن: {قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} (الإسراء: 53). قال القرطبي: " نزلت في عمر بن الخطاب، وذلك أن رجلاً من العرب شتمه وسبه، وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله تعالى فيه {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} " (¬1)
قال الحسن: "هو أن يقول للكافر إذا تشطط: هداك الله، يرحمك الله .. وعلى هذا تكون الآية عامة في المؤمن والكافر، أي قل للجميع ". (¬2)
قال ابن كثير: " {وجادلهم بالتي هي أحسن}، أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب .. فأمر تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} وقوله: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} (النحل: 125) الآية، أي قد علم الشقي ". (¬3)
ويلفت ابن تيمية النظر إلى أن الله قال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل: 125)، فطلب الجدال بالتي هي أحسن، "ولم يقل بالحَسنة كما قال في الموعظة، لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة، فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن، حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة". (¬4)
قال الشوكاني في تبيان معنى الحكمة: "أي بالمقالة المحكمة الصحيحة"، بينما فسّر الموعظة بأنها تلك "التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها". (¬5)
وإن من الحكمة والموعظة الحسنة أن لا نجبه من ندعوه بقولنا: يا كافر. في باب العيب واللمز، وإن كنا لا نشك في كفره يقول نظام الحنفي: "لو قال ليهودي أو مجوسي: يا كافر. يأثم إن شق عليه" (¬6)، وذلك الإثم يلحق صاحبه لهجره الحكمة في الدعوة والتي هي أحسن في البلاغ.
¬_________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن (10/ 276).
(¬2) الجامع لأحكام القرآن (10/ 277).
(¬3) تفسير القرآن العظيم (2/ 592).
(¬4) الرد على المنطقيين (468).
(¬5) فتح القدير (3/ 203).
(¬6) الفتاوى الهندية (5/ 348).

الصفحة 48