كتاب الإبهاج في شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

وثالثها: وهو اعتراض على المقدمة الثانية أيضا وتقريره سلمنا أن قوله فليحذر أمر المخالفين بالحذر وأنه لا ضمير في الآية لكن لم قلتم انه يوجب الحذر وهل غاية ذلك الا ورود الأمر به واقتضاء الأمر الوجوب هو محل النزاع والاستدلال بما ذكرتموه مصادرة على المطلوب.
أجاب: انا لا ندعي وجوب الحذر من قوله فليحذر وإنما ندعي أنه يفيد حسن الحذر عن مخالفة الأمر وحسن الحذر دليل على قيام المقتضى للوقوع في المحذور وإلا لكان الحذر عبثا ولقائل أن نقول قد يحسن الحذر مع التردد في قيام المقتضى لمجرد ذلك التردد عملا بالأحوط كالدائر بين أمرين يتردد في قيام اقتضاء أحدهما وقوع الضرر ولا يتوقع ضررا من الآخر فانه يحسن أن يحذر من الأول والأمر ستردد بين الوجوب وعدمه فيحسن التحذير منه ولو لمجرد التنازع في مقتضاه.
ورابعها: أنا سلمنا صحة ما ذكرتم من المقدمتين إلا أن قوله تعالى: {عَنْ أَمْرِهِ} في الآية المذكورة لفظ مجرد فيفيد أن أمرا واحدا للوجوب لا إن كل أمر للوجوب أجاب بأنه عام لجواز الاستثناء إذ يصح أن يقال ليحذر الذين يخالفون عن أمره إلا في الأمر الفلاني ومعيار العموم جواز الاستثناء كما ستعرفه إن شاء الله تعالى هذا شرح ما في الكتاب.
وقد اعترض النقشواني على الاحتجاج بالآية فقال الأمر هنا بمعنى الشأن وهو الاجتماع على محاربة الكفار لأنه مذكور معرف بالإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر قبل هذا منكرا في قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} وذلك الأمر هو الشأن وهو الاجتماع على المحاربة وهو الذي دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه وكان بعضهم يتسلل لواذا فأراد بالمخالفة ههنا الانحراف وهو التسلل لواذا في المعنى وإذا كان ذلك محمولا على الانحراف استقام دخول عن فيه فيقال انحراف عن كذا ولا يقال ترك عن كذا فإذا كان الأمر محمولا على الشأن والمخالفة على الانحراف لم يبق في الآية احتجاج على المقصود والإنصاف يوجب حمل الأمر والمخالفة على ما ذكرنا اتساقا للكلام ورعاية على أصول العربية.

الصفحة 33