كتاب الإبهاج في شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

فان قلت فما تفعل في قوله أبدا.
قلت: لا ينافي إذ قد يطلق ويراد به المدة الطويلة كما في قوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} والكفار يتمنون الموت في جهنم الا ترى إلى قولهم فيها يا مالك ليقض علينا ربك ولقائل ان يقول أما تقسيم الخلود بالمكث الطويل بخلاف الغالب من استعمال الشرع وعلى اللفظ على الغالب أولا لا سيما وقد أردفه بقوله أبدا وقولكم أن أبدا قد يستعمل في الزمن الطويل قلنا صحيح ولكن قرينة اجتماعها مع الخلود ينفي ذلك هنا وإلا فكأنه قال قاطنين فيها مكثا طويلا زمنا طويلا فيكون قد قرر اللفظ لمجرد التأكيد الذي هو غير محتاج إليه هنا.
فإن قلت التأكيد لا بد منه على التقديرين لأنه إن أراد بالخلود الدائم كما ذكرتم فما أتى بقوله أبدا إلا للتأكيد.
قلت: التأكيد على تقدير إرادة الدائم مناسب مناسبة شديدة لأن المحكوم به أولا أعنى المكث الدائم شيء عظيم يليق بخطبة التأكيد فكان التأكيد دليلا على ما قلناه من أن المراد بالخلود الدائم للاحتجاج إلى التأكيد والحالة هذه ويدل ذلك أيضا من الآية قوله: {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} ولم يقل فإنه يدخل نار جهنم بل أتى بلام الاختصاص والملك بالموضوع للدوام والبقاء وصدر الجزاء بأن المؤكدة للجزاء حيث قال فان له ولم يقل فله ثم أكد ثانيا عند ختام ذكر الجزاء بقوله أبدا ولم يبق علينا إلا أن الدائم لا يستحقه غير الكافر والآية في المعاصي وهو أعم ألا أن يكون هذا العام قد أريد به الخاص وأما النقشواني فقال ليس العصيان عبارة عن ترك الأمر فقط بل عن ذلك مع زعم بطلان مقتضاه وهو ترجيح جانب العقب على الترك أو عدم الإيمان بمقتضاه وهو معنى قوله تعالى في الملائكة: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} أي يجزمون بمقتضاه ويمتثلون ويمتنع منهم عدم الإتيان بمقتضاه قال وكذلك في قوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} معناه ما ذكرنا لأن موسى عليه السلام يقول أزعمت أن ما أشرت به عليك وأمرتك به باطل غير سديد حتى تركته وأراد أن يعاقبه فكان جواب

الصفحة 36