كتاب الإبهاج في شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)
هارون عليه السلام بان تركي لم يكن بناء على زعم البطلان بل بناء على مصلحة أخرى ثم ان موسى عليه السلام لما سمع ذلك قبل معذرته وعلم انه ليس بعاص ما أمره مع انه كان تاركا لما أمره قال ولو كان العصيان باقيا لكان سبب العقارب باقيا ولما كان يمتنع عن عقابه بالقدر الذي ذكره قال وبهذا استحق العاصي الخلود في النار بهذه الآية وكان ضالا ضلالا مبينا بدليل قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} وترك المأمور به مع زعم بصحة مقتضاه لا يوجب ذلك هذا كلامه وهو مدخول أما قوله العصيان ترك الأمر مع زعم بطلان مقتضاه قلنا هذا خلاف الشائع الذائع في اللغة العربية ويلزم على هذا ان لا يطلق على من خالف أوامر الله ورسوله انه عاص ما لم ينضم إلى ذلك هذا القيد وهو واضح البطلان واما قوله: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ} فليس معناه الا انهم يمتثلون أوامره واما قضية هارون عليه السلام فهو لم يعص أخاه موسى عليه السلام وانما موسى استفهمه لما رآه لم يفعل ما أشار به كان يقول ما كان يمنعك من ذلك هل عصيت أمري فقال هارون لا ولكن المانع اني خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل فقبل موسى عليه السلام عذره وعلم أنه لم يعصه لا باعتقاده بطلان مقتضى أمره ولا بالمخالفة لأن أمره لم يكن مطلقا بل مقيدا بعدم المانع وإن لم يكن التقييد موجودا في اللفظ كما تقول لوكيلك اشتري اللحم ثم تقول ما منعك من شرائه هل عصيت أمري فيقول لك لا بل كان السوق غير قائم أو اللحم غير موجود والله اعلم.
قال: الخامس: أنه عليه السلام احتج لذم أبي سعيد الخدري على ترك استجابته وهو يصلي بقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} .
الدليل الخامس: ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا سعيد وهو في الصلاة فلم يجبه فقال: "ما منعك ان تجيب وقد سمعت الله يقول" {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} وهذا الاستفهام ليس على حقيقة لأنه عليه السلام كان يعلم أنه في الصلاة فدل على أنه لمجرد الذم والتوبيخ ولولا اقتضاء الامر للوجوب لما كان ذلك وقد وقع في الكتاب ان أبي سعيد
الصفحة 37
402