كتاب الإبهاج في شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

أما إذا كانت واردة على سبيل الاستثناء فإنه لا يقدح على المختار خلافا لبعض المانعين من جواز تخصيص العلة سواء كانت العلة معلومة كمسألة الصاع في المصراة أو مظنونة كمسألة العرايا وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر والعنب في الكرم بالزبيب فإنها واردة نقضا على تحريم الربا لأن العلة في تحريمه إما الطعم أو الكيل أو الفوت أو المال وكل منها موجود في العرايا وإنما لا يقدح ذلك في العلة لأنه إنما يعلم كونه ورد على سبيل الاستثناء إذا كان النقص لازما على جميع المذاهب كما ذكرناه في مسألة العرايا
وحينئذ يكون معارضا للإجماع فإنه منعقد على أن علة الربا أحد الأمور الأربعة والإجماع أقوى في الدلالة منه فيقدم عليه ويعمل بمقتضاه واعلم أن الإمام مثل الوارد على سبيل الاستثناء في المظنونة بمسألة العرايا وفي المعلومة بضرب الدية على العاقلة فإنها لا تنقض علمنا بأن من لم ينقدح على الجنابة لم يؤاخذ بضمانها
وقد سبق الإمام بهذا المثال إمام الحرمين وغيره واعترض على التمثيل به بأنه عكس النقص لأنه أبدا الحكم بدون القلة وذلك أن الجنابة سبب لوجوب الضمان وهنا وجب بدون الجناية وهو اعتراض غير منقدح لأن تقرير التمثيل ذلك أن يقال الجناية سبب الضمان
وقد تخلف الحكم في القاتل عمدا أو عمد خطأ مع وجود العلة وإن قرر على الوجه المذكور كان بمعنى أن يقول عدم الجناية سبب لعدم الضمان
وقد وجب هذا السبب في العاقلة مع تخلف عدم الضمان والمصنف اقتصر على التمثيل بمسألة العرايا لأنها واردة نقضا على علة مظنونة فإذا لم يقدح فيها لم يقدح في المعلومة بطريق الأولى وفي التمثيل بمسألة العرايا دقيقة أخرى وهي الإشارة إلى أن ما ورد مستثنى جاز أن يكون معقول المعنى كمسألة العرايا فإنها استثنيت رخصة وتسهيلا على المعسرين ولذلك يختص بها الفقراء على أحد قولين وهذا ما عليه الجمهور وأعني أن المستثنى يجوز أن يعقل له معنى وأن لا يعقل

الصفحة 95