كتاب فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - (اسم الجزء: 4)
أو ما يفعل أو ما يتصرف فيه (¬١)، فنسأل اللَّه
أن يعفو عنها عن هِجْرَتِها خليفةَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قال قائل: ما الجمعُ بين فِعلِ فاطمة - رضي الله عنها - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»؟ (¬٢)
فالجواب: لعلها ترى - رضي الله عنها - أن الهجر لسبب ـ ولو طال ـ لا بأس به، كما هجرَ ابنُ عمر - رضي الله عنهما - أحدَ أبنائه لما حدَّثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تمنَعُوا إماءَ اللَّهِ مساجدَ اللَّهِ». (¬٣) قال: واللَّهِ لَنمنَعَهُنَّ، فأقبلَ عليه عبدُاللَّه بنُ عمر، وسبَّه سبَّاً شديداً، وقال: لا أكلِّمُكَ ما حَييتُ. (¬٤)
---------------
(¬١) يقصد الشيخ بكلامه هذا ــ وهو من دروسه الشفهية التي نقلها مكتوبةً طلابُه ـ: أنَّ من طبيعة البشر عند الغضب: نقصان الإدراك والفهم، وحُسن التصرف أحياناً، لا أنه حُكْمٌ خاصٌّ بفاطمة في هذه المسألة، بل ذِكْرٌ للسببِ الطبعي لهذا التصرف؛ لذلك ورد حديثُ أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقضينَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان». أخرجاه في «الصحيحين»، ومثله طلاق الغضبان، وتركُ الصلاة عند حضور الطعام، ومدافعة الأخبثان، وذلك كله لتأثير هذه الأمور على الإدراك ـ والله أعلم ـ.
(¬٢) أخرجه: البخاري في «صحيحه» رقم (٦٠٦٥) و (٦٠٧٦)، ومسلم في «صحيحه» رقم (٢٥٥٩).
(¬٣) أخرجه: البخاري في «صحيحه» رقم (٩٠٠)، ومسلم في «صحيحه» رقم (٤٤٢).
(¬٤) قول ابن عمر لابنه في: مسلم في «صحيحه» رقم (٤٤٢).