كتاب شرح علل الترمذي لابن رجب - ط الرشد (اسم الجزء: 1)

---
ج:1 ص:124
وعلى هذا يمكن تخريج كلام النقاد إذ أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله وكلام أبي حاتم وهو يشبه معرفة الناقد للعلة بمعرفة الصائغ للدرهم الزائف من الجيد إنما يعني به أن الحديث صناعة وفن كالصياغة التي هي صناعة وفن ولكل منها مبادئه وطرائقه وقوانينه
وإلى جانب ما سبق أقول إن كتب العلل في أكثر ما أسئلة وأجوبة وهذه الأجوبة في معظمها يحمل الحجة والدليل ولا غرابة في هذا إذا عرفنا أن السائل هو من أهل هذا الفن والمختصين به فالترمذي يسأل البخاري وعبد الله بن أحمد يسأل أباه وابن أبي حاتم يسأل أباه وأبا زرعة والبرذعي يسأل أبا زرعة والبرقاني والسهمي يسألان الدارقطني وهكذا وفي مباحث أنواع العلل وأسبابها أمثلة كثيرة فيها بيان كاف للعلة ونوعها وسببها والدليل عليها
وبعد كل هذا فإننا نخرج بنتيجة هي أن الناس أمام هذا العلم عالم خبير به أو جاهل منكر له وأكبر دليل على منهجية هذا العلم وحدة منطقه الذي يظهر باتفاق النقاد عليه كما رأينا في إحالة أبي حاتم على أبي زرعة ثم تشابه قوليهما في كل مسألة فعلم العلل علم قائم على أصول وطرائق متداولة بين أصحابه وقد ترتقي هذه الأصول والطرائق بلغتها حتى لا يعود من السهل كشف غموضها عن غير أهلها
ويضاف إلى كل ما سبق أن منهج علماء الحديث هو جزء من المنهج الإسلامي العام القائم على ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) والمنهج الإسلامي هو أول منهج أخرج الإنسان من سلطان الطلاسم والفيوض الوجدانية وحرره من تحكم الأهواء والأوهام والخواطر
وإن كنت قد أطلت في مناقشة هذه القضية فلخطورتها وأهميتها حتى إنها تقف أمام كل باحث في العلل لتشعره باستحالة البحث والوصول إلى نتائج جديدة@

الصفحة 131