كتاب منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب (اسم الجزء: 1)

وفي ضمن هذه المعارضة إقامة الحجة على أنها أولى بالصواب مما دعوتم إليه من اليهودية أو النصرانية، لأن وصف صاحب الملة بأنه حنيف غير مشرك، ومن كانت ملته الحنيفية والتوحيد فهو أولى بأن يتبع ممن ملته اليهودية أو النصرانية، فإن الحنيفية والتوحيد دين جميع الرسل الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وهو الفطرة التي فطر الله عليها عباده، فمن كان عليها فهو المهتدي لا من كان يهوديا أو نصرانيا، فإن الحنيفية تتضمن الإقبال على الله بالعبادة، والإجلال، والتعظيم، والمحبة، والذل. والتوحيد يتضمن إفراده بهذا الإقبال دون غيره، فيعبد وحده، ويحب وحده، ويطاع وحده، ولا يجعل معه إله آخر، فمن أولى بالهداية؟ صاحب هذه الملة أو ملة اليهودية والنصرانية؟ ولم يبق بعد هذا للخصوم إلا أن يقولوا: فنحن على ملته -أيضا- لم نخرج عنها، وإبراهيم وبنوه كانوا هودا أو نصارى. فأجيبوا عن هذا السؤال بأنهم كاذبون فيه، وأن الله -تعالى- قد علم أنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، فقال: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
وقرر -تعالى- هذا الجواب في سورة آل عمران في قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} .

الصفحة 415