كتاب صحيح السيرة النبوية للعلي

حين تعالى النهار (¬1) قال: فوجدته في بيته جالسًا على سرير، مفضيًا إلى رماله (¬2) متكئًا على وسادة من أدم. فقال لي: يا مال (¬3) إنه قد دف أهل أبيات من قومك (¬4)، وقد أمرت فيهم برضخ (¬5) فخذه فاقسمه بينهم. قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري؟.قال: خذه يا مالُ!
قال: فجاء يرفأ (¬6) فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم. فأذن لهم، فدخلوا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعليّ؟ قال: نعم. فأذن لهما.
فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكذاب الآثم الغادر الخائن، فقال القوم: أجل. يا أمير المؤمنين! فاقض بينهم وارحهم. (فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك).
فقال عمر: اتئدا. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركناه صدقة" قالا: نعم.
فقال عمر: إن -الله عَزَّ وَجَلَّ- كان خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخاصته لم يخصص بها أحد غيره. قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (¬7) (ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا) قال: فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم، ولا أخذها دونكم، حتى بقي هذا المال، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منه نفقة سنة. ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون ذلك؟ قالوا:
¬__________
(¬1) تعالى النهار: ارتفع.
(¬2) مفضيًا: ليس بينه وبين رماله شيء.
(¬3) يا مال: ترخيم لمالك.
(¬4) دف أهل أبيات: جاءوا مسرعين للضر الذي نزل بهم.
(¬5) رضخ: عطية قليلة.
(¬6) يرفأ: حاجب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
(¬7) سورة الحشر: 7.

الصفحة 587