كتاب المنتخب من كتب شيخ الإسلام

الإيمان مرادف للفظ التصديق؟ وهب أن المعنى يصح إذا استعمل في هذا الموضع، فلم قلت: إنه يوجب الترادف؟ ولو قلت: ما أنت بمسلم لنا، ما أنت بمؤمن لنا؛ صح المعنى، لكن لم قلت: إن هذا هو المراد بلفظ مؤمن؟ وإذا قال: {وأقيموا الصَّلاةَ} (¬1) ؟ ولو قال القائل: أتموا الصلاة، ولازموا الصلاة، التزموا الصلاة، افعلوا الصلاة؛ كان المعنى صحيحاً، لكن لا يدل هذا على معنى: أقيموا؛ فكون اللفظ يرادف اللفظ يراد دلالته على ذلك.
ثم يقال: ليس هو مرادفاً له، وذلك من وجوه:
أحدها: أن يقال للمخبر إذا صدقته: صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به؛ بل يقال: آمن له، كما قال: {فَآمَنَ لَهُ لوطٌ} (¬2) ، وقال: {فَمَا آمَنَ لِموسى إلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} (¬3) ، قال فرعون: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ} (¬4) ، وقالوا لنوح: {أنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبَعَكَ الأرْذَلونَ} (¬5) ، وقال تعالى: {قُلْ أذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ باللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ} (¬6) ، {فَقَالوا أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُما لَنَا عابِدونَ} (¬7) وقال: {وإنْ لَمْ تُؤْمِنوا لي فَاعْتَزِلونِ} (¬8) ...
الثاني: أنه ليس مرادفاً للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، فمن قال:
¬_________
(¬1) المزمل: 20.
(¬2) العنكبوت: 26.
(¬3) يونس: 83.
(¬4) الأعراف: 123.
(¬5) الشعراء: 111.
(¬6) التوبة: 61.
(¬7) المؤمنون: 47.
(¬8) الدخان: 21.

الصفحة 62