كتاب إكمال تهذيب الكمال الجزء الأول والثاني (اسم الجزء: 1)

‹ صفحة 278 ›
أمير المؤمنين إن أولى الأمور أن تفتح بها الحوائج ويرجى بها الزلف ما كان لله
عز وجل رضى ، ولحق نبيه صلى الله عليه وسلم أداؤه ، ولك فيها ولجماعة المسلمين نصيحة .
وعندي نصيحة لا أجد بدا من ذكرها فأخلني . قال : دون أبي محمد . قال :
نعم . فأخلاه .
فقال : قل . فقال : يا أمير المؤمنين إنك عمدت إلى الحجاج مع تغطرسه و
تعترسه وتعجرفه وبعده عن الحق وركونه إلى الباطل فوليته الحرمين وفيهما من
فيهما وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار والموالي المنتسبة إلى الأخيار ،
يسومهم الخسف ويقودهم بالعسف ويحكم فيهم بغير السنة ويطردهم بطغام من
أهل الشام ورعاع ، لا روية له في إقامة حق ولا إزاحة باطل ، ثم ظننت أن
ذلك فيما بينك ( ق 44 / ب ) وبين الله ينجيك ، وفيما بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخلصك ، لا والله فابق على نفسك أو دع . فاستوى عبد الملك جالسا وكان
متكئا ، وقال : كذبت لعمر الله رمت ولؤمت فيما جئت به ، قد ظن بك
الحجاج ما لم يجده فيك ، وربما ظن الخير بغير أهله ، قم فأنت الكاذب المائن
الحاسد . قال : فقمت والله ما أبصر طريقا ، فلما خلفت الستر لحقني لا حق من
قبله فقال للحاجب : احبس هذا وأدخل الحجاج ، فلبثت مليا لا أشك أنهما في
أمري ، ثم خرج الإذن فقال : قم يا بن طلحة فادخل ، فلما كشف الستر لقيني
الحجاج فاعتنقني وقبل ما بين عيني ثم قال جزاك الله عني أفضل الجزاء ، والله
لئن سلمت لك لأرفعن ناظرك ولأعلين كعبك ولأبيعن الرجال غبار قدميك ،
قال : فقلت في نفسي : يهزأ بي فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني ، ثم قال :
يا ابن طلحة لعل أحدا من الناس أشركك في نصيحتك ؟ قال : قلت لا والله
ولا أعلم أحدا كان أظهر عندي معروفا ولا أوضح يدا من الحجاج ، ولو كنت
محابيا أحدا بدين لكان هو ، ولكني والله آثرت الله ورسوله والمسلمين ، قال :
قد علما ، ولو أردت الدنيا لكان لك في الحجاج أمل ، وقد أزلته عن الحرمين
لقولك وأعلمته أنك ( استنزلتني له عنهما استصغارا لهما ووليته العراقين ،
وأعلمته أنك استعهدت مني ذلك استزادة له ) ( 1 ) فاخرج معه فإنك غير ذام
صحبته .
ــــــــــــــ
( 1 ) ما بين المعقوفين سقط من ( ق ) وهو في ( ه ) .

الصفحة 278