كتاب النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية (اسم الجزء: 2)

-تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد ذكره لهذه الآيات وغيرها: "ومثل هذا في القرآن كثير، مما يبين الله فيه أن كتابه مبين للدين كله، موضح لسبيل الهدى، كافٍ لمن اتّبعه، لا يحتاج معه إلى غيره، يجب اتباعه دون اتباع غيره من السبل" (¬1).
أما دور البشر في الأرض، فآية "هود" تُبيّنهُ وترشد إليه هو القيام بعمارتها، قال ابن كثير -رحمه الله-: " {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}؛ أي: ابتدأ خلقكم منها، خلق منها أباكم آدم، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}؛ أي: جعلكم فيها عُمّارًا تعمرونها وتستغلونها" (¬2).
وقال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} [الأنعام: 165]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: جعلكم تعمرون الأرض جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وخلفًا بعد سلف. قاله ابن زيد وغيره، كقوله -تعالى-: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} [الزخرف: 60]، وكقوله -تعالى-: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]، وقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]. . . ." (¬3).
وفي سورة النور قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].
فالإنسان مستخلف في هذه الدنيا ومطلوب منه عمارة الأرض، وقد أكرمه المولى سبحانه بهذا الوحي "الكتاب والسنة"، رباني المصدر وفيه الكمال الديني
¬__________
(¬1) درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية 10/ 304، وانظر: العقيدة الإِسلامية وأسسها، عبد الرحمن الميداني ص 32 - 49، وانظر: مناهج البحث في العقيدة الإِسلامية .. ، د. عبد الرحمن الزنيدي ص 302 - 334.
(¬2) تفسير ابن كثير ص 661.
(¬3) المرجع السابق ص 502.

الصفحة 835