أول ورقة ج 1 من (ت)
الصفحة الثانية ج 2 من (ت)
ج 1 أول ورقة من (ت)
الورقة الأخيرة من (ت)
ص:
299 وَيَثْبُتُ التَّعْدِيلُ بِاشْتِهَارِ. . . كَفِي أَئِمَّةِ الْهُدَى الْأَخْيَارِ
الشرح:
هذا هو الطريق الثاني مما تثبت به العدالة، وهو أن يكون الشخص ممن اشتهر بالإمامة في العلم وشاعَ الثناءُ عليه بالثقة والأمانة، فلا يحتاج مع ذلك إلى تزكية خاصة، بل كوْنه كذلك غاية في تزكيته وثبوت عدالته.
قال ابن الصلاح: (هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي، وعليه الاعتماد في أصول الفقه، وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب، ومثَّل ذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد وابن معين وابن المديني، ومَن جرَى مجراهم في نَباهَة الذِّكر واستقامة الأمر، ولا يُسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، إنما يُسأل عمن خَفي أمرُه عن الطالبين) (¬1). انتهى
وقد سُئل ابن معين عن أبي عبيد، فقال: مِثلي يُسأل عن أبي عبيد؟ ! أبو عبيد يُسأل عن الناس.
وسُئل أحمد عن إسحاق بن رَاهَوَيْه، فقال: مِثل إسحاق يُسأل عنه؟ ! وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الشاهد والمخبِر إنما يحتاجان إلى التزكية متي لم يكونَا مشهورين بالعدالة والرضا وكان أمرهما مُشكلًا ملتبسًا ويجوز فيه العدالة وغيرها.
قال: (والدليل على ذلك أنَّ العِلمَ يُظهر رشدهما، واشتهار عدالتهما بذلك أقوي في
¬__________
(¬1) مقدمة ابن الصلاح (ص 105).
وفي "الخصائص" لابن جني أنه قول أكثر علماء العربية كالمازني وأبي علي الفارسي. وحكى ابن فارس في "فقه العربية" إجماع أهل اللغة عليه.
وأُلزم ابن درستويه في مناظرة في المسألة أن يسمِّي كل ما يستقر فيه الماء "قارورة"، كالجب والحوض والبحر، فالتزمه؛ وشنعوا عليه. وكان له أن ينفصل بقيد آخَر فيقول: ما استقر فيه الماء وخَفَّ حَمْلُه.
نعم، في التعليل بالاشتقاق النظر السابق.
وفى المسألة مذهب ثالث: أنه يجوز ولكن لم يقع. حكاه ابن فورك.
ورابع حكاه ابن السمعاني عن ابن سريج خِلاف ما سبق نقلُه عنه، وهو: جواز ثبوتها بالقياس في الأسماء الشرعية دُون اللغوية، واختاره.
قال: (لأنَّا نَعلم أن الصلاة إنما سميت بذلك لصفة متى انتقصت عنها لم تُسم صلاة، فنعلم أن ما شاركها في تلك الصفة يكون صلاة، بخلاف الأسماء اللغوية فإنه لم يُلتزم فيها ما ذُكِر مِن اطراد معاني الاسم، وعلى هذا نثبت اسم الخمر للنبيذ شرعًا، ثم نحرمه؛ للآية، ونثبت اسم الزنا للواط شرعًا، ثم نحده [بالآية] (¬1)، والسارق للنباش شرعًا، ثم نقطعه بالآية) (¬2). انتهى بمعناه.
وعُلم منه فائدة الخلاف في المسألة، فَعَلَى القياس اللغوي تندرج المسميات تحت العموم ولا يحتاج لقياس شرعي ولا لشرائطه، ويكون الدليل عليه النص.
ومَن يمنع، يقيس الحكم، ويحتاج لاستيفاء شرائط القياس، ولا يكون من دلالة النص. وتظهر فائدة ذلك في النَّسخ والتخصيص وغير ذلك من التعارض.
¬__________
(¬1) في (ض، ظ، ق، ت): للآية.
(¬2) قواطع الأدلة (1/ 283).
ونحوه ما قاله ابن الصباغ في: (أنت طالق ثلاثًا وثلاثًا إلا أربعًا) أنه يقع ثلاث؛ إذ لو أُعيد للجميع لَوقعت طلقتان.
ولكن ليس الأمر كذلك، إنما ذلك لقاعدة أن المفرَّق لا يُجْمَع على الأصح.
ونحو ذلك أيضا ما قاله القاضي أبو الطيب: (لو قال: "له عليَّ درهم ودرهم إلا درهمًا" يَلزمه درهمان على المنصوص).
نعم، لذلك مدْرَك آخَر، وهو أن عَوْد الاستثناء للجميع هل معناه إلى كل واحد؟ أو إلى المجموع ويوزع عليها؟
فيه خلاف حكاه الماوردي وفرَّع عليه لو قال: (له عليَّ ألف درهم ومائة دينار إلا خمسين) وأراد بالخمسين جنسًا غيرهما، فيُقبَل منه. فإنْ أراد عَوْده إلى أحدهما، عُمِل به، أو إليهما معًا بمعنى نقص خمسين مِن كل منهما، عُمِل به، أو يُنصف الخمسين عليهما، عُمل به. وإنْ مات قبل البيان، قال: فعند أبي حنيفة يعود إلى ما يليه، وعند أصحابنا يعود إليهما. ثم اختلفوا على وجهين:
أحدهما: على معنى إخراج خمسين مِن كل منهما.
والثاني: يعود إليهما نصفين، مِن كلٍّ خمس وعشرين (¬1).
ولم يصحح الماوردي شيئًا، وذكرهما الروياني في "البحر" وصحح الأول.
ويظهر أثر هذا الخلاف -الذي ذكره الماوردي- فيما لو قال: (أكرِم بني تميم وبني بكر إلا ثلاثة)، هل معناه: إلا ثلاثة مِن كل قبيلة؟ أو إلا ثلاثة من المجموع؟
وبالجملة فقد استُدل لهذا المذهب بأن الاستثناء لَمَّا لم يكن [مستقلًّا] (¬2) واحتاج إلى ما
¬__________
(¬1) الحاوي الكبير (7/ 23).
(¬2) في (ت، س، ض): متصلا.
[لكون] (¬1) العلة وقلبها يشتمل على حُكمين يستحيل الجمع بينهما، فهو مناقض للمقصود) (¬2).
قال: ولا يمكن القالب أن يعتقد صحة قلبه لكون قياس [المعلل] (¬3) قلبًا له، بل هو عنده من باب معارضة الفاسد بالفاسد، بخلاف المعارضة، إذ قد تكون صحيحة؛ لترجيحها على قياس المعلل.
نعم، نازعه بعضهم في ذلك، وقال: ربما كان القلب أرجح من قياس المعلل، فيكون صحيحا، فهو كالمعارضة. وقد أشار الإمام فيما بعد إلى ذلك.
وقال النيلي في "جدله": (القسم الأول من "القلب" -وهو ما يدل على المستدِل لا لَهُ- مِن قبيل الاعتراضات، ولا يتجه في قبوله خلاف. وأما الثاني: وهو ما يدل على المستدِل مِن وَجْه آخَر -كمثال الاعتكاف ومسح الرأس وبيع الغائب- فاختلفوا فيه هل هو اعتراض؟ أو معارضة موجودة فيه؟ وذكر لهذا الخلاف فوائد، منها: إذا قيل: معارضة، جازت الزيادة في علته، كقوله في بيع الغائب: عقد معاوضة مقتضاه التأبيد؛ فلا ينعقد؛ قياسًا على خيار الرؤية، كالنكاح. وإنْ قيل: اعتراض، لَمْ تَجُز الزيادة). انتهى
والفرق بين "المعارضة" و"الاعتراض" أنَّ "المعارضة" كدليل مستقل، فلا يتقدر بدليل المستدِل. و"الاعتراض" مَنعٌ، فتمتنع الزيادة عليه؛ لئلَّا يكون كذبًا على المستدِل؛ حيث يُقَوِّله ما لم يَقُل.
¬__________
(¬1) كذا في (ق) ويوافقه كلام الجويني في "البرهان"، لكن في (ص، س، ض): وثبوت.
(¬2) البرهان (2/ 670).
(¬3) كذا في (س، ت)، وفي سائر النسخ: العلل.