الورقة الأولى من (ن 1)
أول ورقة من (ن 2)
آخر ورقة من (ن 2)
النفوس مِن تعديل واحد أو اثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة) إلى آخِر كلامه في ذلك.
ويدخل في قولي: (أَئِمَّةِ الْهُدَى الْأَخْيَارِ) مَن ذُكر ومَن لم يذكره هؤلاء، كأبي حنيفة والشافعي - رضي الله عنهما -، وكذلك داود بن علي الظاهري وغيره من الأئمة، وكذا أصحاب الأئمة الأكابر المشهورون. والله أعلم.
ص:
300 كَذَاكَ بِالتَزكِيَةِ الْمُعْتَبرَهْ. . . وَلَوْ بِوَاحِدٍ، كجَرْحٍ ذَكَرَهْ
301 وَعَدَدٌ يُشْرَطُ في الشَّهَادَهْ. . . جَرْحًا وَتَعْدِيلًا لِمَنْ أَرَادَهْ
الشرح:
هذا هو الطريق الثالث في معرفة العدالة -وهو التزكية- سواء في الراوي والشاهد، والتقييد بِـ "المعتبرة" يَشملُ أمورًا:
منها: ما يُعتَبر في لفظ التزكية بأن يقول: هو عدل. وهذا كافٍ في الأصح؛ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2]. فمَن شَهَد أو أخبر بمطلق العدالة، وافق إطلاق الآية. وحكاه القاضي أبو الطيب عن نَص الشافعي في "حرملة" (¬1).
وقيل: لا بُدَّ أن يقول في الشاهد: عدل عليَّ ولي. وحكاه الروياني عن نص "الأُم" و"المختصر".
قال ابن الصباغ: وبه أخذ أكثر الأصحاب. وزاد بعضهم أن يقول: عدل رِضًى لي وعلَيّ.
¬__________
(¬1) أي: الكتاب الذي نقله عنه حرملة.
ومذهب خامس: وهو أنه يثبت بالقياس الحقيقة، لا المجاز؛ لأنه أنقص رُتبة منها؛ فتُميَّز عليه. وهذا يخرج من كلام القاضي عبد الوهاب.
وسادس: وهو ما سبق أن الأستاذ أبا منصور حكاه في "التحصيل" من إجماع أصحابنا أن أسماء الله تعالى لا يجوز إطلاق شيء منها بالقياس، وأسماء غيره الصحيح من مذهب الشافعي جواز القياس فيها، خلافًا لبعض أصحابه مع أكثر أهل الرأي.
وقولي: (وَلَا بِعَقْلٍ دُونَ ذَا الْأَسَاسِ) بيان لكون العقل الصِّرْف لا يُجْدي شيئًا في ثبوت اللغة كما قاله البيضاوي وغيره؛ إذ لا مجال له في كيفية الموضوعات اللغوية.
قلتُ: إلا إنْ فرَّعنا على مذهب عبَّاد -على أحد النقلين عنه- أنه يفيد بذاته، وأن العقل يدرك ذلك.
تنبيهات
الأول: عُلم -من لفظ القياس من قولنا: (لا يثبت بالقياس) وتقريره- الاستغناءُ عن تقييد محل الخلاف بما لم يثبت تعميمه بالاستقراء، كرفع الفاعل ونصب المفعول، فإن عموم ذلك بالاستقراء (وهو تَتَبُّع الأمر الكلي من الجزئيات كما سيأتي)، ولا يتحقق فيها أصل وفرع؛ لأن بعضها ليس أَوْلى من بعض بذلك.
وكذا يُستغنى به عن أسماء الأعلام، فإنها غير معقولة المعنى، والقياس يُعتبر فيه فَهْم المعنى، فيصير كالحكم التعَبُّدي.
الثاني: زاد بعضهم طريقًا آخَر غير ما سبق وهو القرائن، قال ابن جني في "الخصائص": مَن قال: "إنَّ اللغة لا تُعرف إلا نقلًا" فقد أخطأ؛ فإنها تُعلم بالقرائن أيضًا، فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر:
يعود عليه وأمكن الاكتفاء بما يليه، لم [يُعْدَل] (¬1) إلى سابق على ذلك.
وجوابه أن الجمل أو المفردات المتعاطفة تُصَيِّر الكل كالجملة الواحدة، فلا يقتصر به على البعض؛ بدليل الشرط، فإنه يعود للكل قطعًا.
نعم، إن كان أبو حنيفة لا يفرق بينهما، فلا يُستدل بالقياس على الشرط. وستأتي المسألة.
فإنْ قيل: الفرق تَقدُّم الشرط وتأخُّر الاستثناء.
قيل: قد يتقدم الاستثناء وقد يتأخر الشرط، سواء قلنا: المتقدم الجواب، أو: [دليل] (¬2) الجواب.
قال القرطبي: وقد خالف أبو حنيفة أصله، فإنه يلزمه أن لا تُقبل التوبة قبل الحد ولا بعده كما قال بذلك شريح، لكنه قال بقبولها قَبله لا بَعده، فخالف أصله.
الثالث من المذاهب:
الوقف حتى تقوم قرينة تَصرفه للكل أو للأخير أو للأول أو للأوسط كما في الأمثلة السابقة.
قال سليم: وهو مذهب الأشعرية. وحكاه ابن برهان عن القاضي، واختاره الغزالي والإمام الرازي في "المنتخب"، وفي الكلام على التخصيص من "المحصول" التصريح به.
وحكاه إلْكِيَا عن اختيار إمام الحرمين، قال: فقيل له: فقد قال الشافعي: إذا قال الواقف: "وقفتُ داري على فلان وحبست أرضي على بني فلان" وذكر نوعًا آخر ثم قال: "إلا الفساق"، فينصرف الاستثناء إلى الكل.
¬__________
(¬1) في (ت، س): يعد.
(¬2) كذا في (ص، ق). لكن في سائر النسخ: ذلك.
ومنها: إنْ قلنا: معارضة، جاز قَلْبه مِن المستدِل كما تُعارِض العلة كما سبق في مثال بيع الفضولي. ومَن قال: إنه اعتراض، لَمْ يُجِز ذلك؛ لأنه منع، والمنع لا يمنع.
ومنها: إنْ قُلنا: معارضة، جاز أنْ يتأخر عن المعارضة؛ لأنه كالجزء منها. وإنْ قُلنا: اعتراض، لَمْ يَجُز، ووجب تقديمه عليها؛ لأنَّ المنع مُقَدَّم على المعارَضة.
ومنها: إنْ قُلنا: معارضة، قَبِلْنا منه الترجيح. وإنْ قلنا: اعتراض، فلا؛ لأنَّ المعارضة تَقبل الترجيح كالدليل المبتدأ، والمنع لا يَقبل الترجيح.
الثاني:
أنَّ قلب المساواة قد اختلف في قبوله بالخصوص. فقال بقبوله الأكثرون، كالأستاذ وإمام الحرمين والشيخ أبي إسحاق. وقال بردِّه القاضي وابن السمعاني وطائفة ممن قبل أصل القلب لأنه لا يمكن التصريح فيه بحكم العلة، فإنَّ الحاصل في الأصل نَفْي وفي الفرع إثبات؛ ولهذا المستدِل يعتبر الوصفين في الأصل، والمعترِض لا [يعتبرهما] (¬1) بمقتضَى القلب.
وُيرجِّح قول الأكثر أنَّ القياس على الأصل إنما هو عند عدم الاختلاف، وهو ثابت فيه، فلا يضر كونه في الأصل الصحة وفي الفرع عدمها؛ إذ هذا الاختلاف غير مناف لأصل الاستواء الذي جُعِل جامِعًا.
هذا ما حرره شيخنا أبو عبد الله الزركشي في "شرح جمع الجوامع"، وهو نفيس؛ فلذلك اقتصرتُ على ذِكره.
¬__________
(¬1) في (ص): يعترضهما.