كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

الورقة الأولى من (ن 4)
الورقة الأخيرة من (ن 4)
الأُولى: هل يُشترط في المزكِّي عدد؟ أو يجوز أن يكون واحدًا؟
وكذا في الجرح: هل يشترط العدد؟ أو لا؟ سواء ذلك في شهادة أو رواية.
وأصح المذاهب الاكتفاء بواحد في الرواية تعديلًا وجرحًا، وهو معني قولي: (وَلَوْ بِوَاحِدٍ، كَجَرْحٍ ذَكَرَهْ) أي: ذكره الجارح.
وأما الشاهد فيُشترط في مُعَدِّله أو جارحِه عَدْلان؛ جَرْيًا في كل منهما على أصله، وكما أن العدد شرط في الشهادة، اعتُبر في تعديلها وجرحها العدد، والرواية لا يُشترَط فيها ذلك، فلا يشترط في تعديلها وجَرْحها ذلك؛ لأن الفرع لا يزيد على الأصل. ونقل هذا الآمدي وابن الحاجب والهندي عن الأكثرين.
قال ابن الصلاح: (وهو الصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره) (¬1).
وهذا معنى قولي: (وَعَدَدٌ يُشْرَطُ في الشَّهَادَهْ) أي: في ذي الشهادة، وهو الشاهد.
القول الثاني: أن العدد في التزكية والجرح شرط مطلقًا في الرواية والشهادة، وهو ما حكاه القاضي أبو بكر عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم، وقال الأبياري: إنه قياس مذهب مالك.
الثالث: الاكتفاء بالواحد مطلقًا في الشاهد والراوي جرحًا وتعديلًا. واختاره القاضي أبو بكر، وقال: إن الذي يوجبه القياس تزكية كل عَدْل مَرْضِي ذكر أو أنثي، حر أو عبد، شاهد ومخبِر.
قال الماوردي والروياني: (إن حاصل الخلاف في ذلك أنَّ تعديل الراوي هل يجري مجرَى الخبر؟ أو مجرى الشهادة؛ لأنه حُكم على غائب؟ ) (¬2).
¬__________
(¬1) مقدمة ابن الصلاح (ص 108).
(¬2) الحاوي الكبير (16/ 94).
صحيحًا) (¬1).
الخامس: قال ابن الحاجب: إذا خرج بعض العرب عما عليه الناس واستعمال الفصحاء، كان مردودًا عند أهل التحقيق؛ لأن قبولنا إياه إنما هو لغلبة الظن بوفق ما وضعه الواضع، فإذا خالف استعمال الفصحاء، غلب على الظن النقيض؛ فزال الموجِب لقبوله.
والله أعلم.

بيان معاني كلم يُحتاج إليها
الشرح: عادة الأصوليين يختمون مباحث اللغة بذكر بعض معاني حروف تتداول في القرآن والسُّنة يحتاج إليها غالبًا في مواضع الاستدلال، وربما ذكروا أسماءً وأفعالًا؛ فلذلك ترجمتُه بـ "كلم"؛ ليعم الأنواع الثلاثة، ولم أقتصر على حرفين أو ثلاثة كما فعل ابن الحاجب، ولا أوسع كما فعل صاحب "جمع الجوامع" وكثير من الحنفية في مختصراتهم.
وربما ذكروا أحكامًا نحوية متعلقة ببعضها قليلة الجدوى في الاستدلال.
بل سلكتُ طريقًا وسطًا، ورتبت ما ذكرتُ على حروف المعجم؛ ليسهل كشفه، والله أعلم.
ص:
484 - مِنْ ذَاكَ "إنْ" لِلشَّرْطِ وَالنَّفْيِ، وَقَدْ ... تُزَادُ بَعْدَ النَّفْيِ فِيمَا قَدْ وَرَدْ
الشرح: الإشارة بقولي: (ذَاكَ) إلى بيان الذي هو مذكور في صدر الترجمة.
¬__________
(¬1) الصاحبي في فقه اللغة (ص 36).
الجبار أنَّ الجُمَل إنْ سِيقت لمقصود واحد، عاد للكل، أو لأغراض مختلفة، اختص بالأخيرة.
الخامس: إنْ ظهر أنَّ الواو الواقعة بين الجملتين فأكثر للابتداء، نحو: (أكرم بني تميم والنحاة البصريين إلا البغاددة)، اختص بالأخيرة. وإنْ تَردد بين العطف والابتداء، فالوقف.
السادس: إنْ كانت الجملة الثانية إعراضًا وإضرابًا عن الأُولى، اختص بالأخيرة، وإلا انصرف للجميع. حكاه ابن برهان عن أبي الحسين البصري، لكن الذي في "المعتمد" حكايته عن عبد الجبار وأقرَّه.
نعم، قال ابن برهان: إن ما قاله أبو الحسين هو المعتمد، وإنه مذهب الشافعي، وإنه لم ينقل عن الشافعي في ذلك نَص بخصوصه، بل أُخذ من مسألة المحدود بالقذف.
ونحن نُبيِّن أنَّ الشافعي إنما صار إلى ذلك؛ لأن ذِكر الجمل هناك لم يكن إضرابًا عن المتقدم، إنما مساق الآيات لغرض واحد وهو الجرأة على تلك الجريمة.
واختار هذا أيضًا ابن السمعاني في "القواطع".
الساب: ما حكاه في "المحصول" عن أبي الحسين: إنْ كان بينهما تَعلُّق، عاد للجميع، وإلا اختص بالأخيرة. وقال: (إنه التحقيق).
وحُكيت أقوال أخرى غير ذلك، والمدار في ذلك كله ما ذكرنا من أنَّ في الكلام قرينة صارفة أوْ لا. فكل مَن تخيل قرينة، أَدَار عليها الحكم.
فائدة:
كان القاضي جلال الدين القزويني يقول: إنَّ عَوْد الاستثناء للجميع يَلزم منه تَوارُد عوامل على معمول واحد.
ص:
865 - وَ"الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ": أَنْ يُسَلَّمَا ... دَلِيلُهُ، وَمَا النِّزَاعُ انْعَدَمَا
الشرح:
أي: ومن القوادح "القول بالموجَب" بفتح الجيم، وهو تسليم الدليل (أي: مُقتضَى الدليل) مع بقاء النزاع. ولا يختص بالقياس كما يوهمه تفسير الإمام الرازي بأنه: "تسليم ما جعله المستدِل موجَب العِلة". فلذلك فسرته بهذا المعنى العام الذي يشمل القياس وغيره.
وشاهِد ذلك مِن القرآن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] جوابًا لقول عبد الله بن أبي سلول أو غيره {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8]. فإنه لَمَّا ذكر صفة -وهي العزة- وأثبت بها حُكمًا وهو الإخراج مِن المدينة، ردَّ عليه بأنَّ تلك الصفة ثابتة لكن لغير مَن أراد ثبوتها له، فإنها ثابتة لغيره، باقية على اقتضائها للحُكم وهو الإخراج، فالعزة موجودة لكن لا له، بل لله ولرسوله وللمؤمنين.
ومن أمثلته أيضًا قول بعضهم:
وإخوان حَسبْتُهُم درُوعا ... فكانُوها ولكن لِلأَعَادِي
وخِلْتُهم سهامًا صائبات ... فكانُوها ولكن في فؤادِي
وقالوا: قد صَفَتْ مِنَّا قلوب ... لقد صدقوا ولكن مِن ودادِي
وقول الآخر:
قلتُ: ثَقلتُ إذْ أتيتُ مرارا ... قال: ثقلتَ كاهلي بالأيادي
وهو نوع مِن بديع الكلام.

الصفحة 103