كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

الورقة الأولى من النبذة الزكية
الورقة الأخيرة من النبذة الزكية
لمناسبة محلها [التي] (¬1) تُذكَر فيه كما ستعرفه إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
ص:
302 - فَإنَّهَا الْإخْبَارُ عَنْ خُصُوصِ ... أَيْ بِتَرَافُعٍ مَعَ الْمَخْصُوصِ
303 - وَعَنْ عُمُومٍ مُطْلَقًا هُوَ الْخَبَرْ ... [أَوْمَا] (¬2) إلى ذَا الشَّافِعِيْ في الْمُخْتَصَرْ
304 - لِأَجْلِ ذَاكَ خُصَّتِ الشَّهَادَهْ ... بِشَرْطِهَا الْمَشْهُورِ بِالزِّيَادَهْ
الشرح:
لَمَّا وقع التفصيل في التزكية والتجريح بين الشهادة والرواية في الاكتفاء بواحدٍ، احتيج للفرق بين حقيقتهما، وهو من المهمات في هذا العلم وغيره، وقد خاض كثير غُمرة ذلك، ولكن غاية ما يفرقون به بينهما اختلافهما في الأحكام، كاشتراط العدد والحرية والذكورة ونحو ذلك مما يُعتبر في الشهادة، ولا يخفَى أنَّ هذه أحكام مترتبة على معرفة الحقيقة، فلو عُرِّفَت الحقيقة بها، لَزم الدَّوْر.
قال القرافي: (أقمتُ مُدة أتطَلب الفَرق بينهما حتى ظفرت به في "شرح البرهان" للمازرى. فذكر ما حاصله أنَّ الخبرَ إنْ كان عن عامٍّ لا يختصُّ بمعيَّن ولا تَرافُع فيه ممكن عند الحكام فهو الرواية، وإن كان خاصًّا وفيه ترافُع ممكن فهو الشهادة. وعُلِمَ مِن هذا الفرق المعنى فيما اختصت به الشهادة من العدد والحرية والذكورة ونحوها. واحترز بإمكان الترافع عن الرواية عن خاصٍّ مُعيَّنٍ؛ فإنه لا ترافُع فيه ممكن) (¬3). انتهى ملخَّصًا.
¬__________
(¬1) في (ز): الذي.
(¬2) في (ن 3، ن 4): اوفى.
(¬3) الفروق مع هوامشه (1/ 14)، ط: دار الكتب العلمية.
قلتُ: وفيه نظر؛ فإنَّ الإيهام القصد فيه أن يقع المخاطَب في الوهم، وأما الإبهام فعدم الإعلام بالتعيين ولو لم يقصد وقوعه في الوهم، فهو أعم.
ثالثها: الإباحة، نحو: جالِس الحسن أو ابن سيرين.
رابعها: التخيير، نحو: (تزوج زينب أو أختها)، و: (خُذ من مالي درهمًا أو دينارًا)، ومنه قوله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، وحديث الجبران في الزكاة في الماشية: "شاتان أو عشرون درهمًا" (¬1). ومنهم من جعل ذلك هو الإباحة، والأكثر على المغايرة.
والفرق بينهما أن الجمع هنا ممتنع، وفي الإباحة غير ممتنع.
ولا يُقال: المخاطَب بآية الكفارة ونحوها لا يمتنع أن يجمع.
لأنَّا نقول: يمتنع على أن يكون ذلك كفارة، لا على أنه تبرع كما أجاب به صاحب "البسيط" من النحاة.
خامسها: مطلق الجمع، كَـ "الواو"، نحو قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]. وقيل في الآية غير ذلك كما سيأتي.
سادسها: بمعنى "إلى"، نحو: (لألزمنك أو تقضيني حَقي)، أي: إلى أن تقضيني.
قيل: ومنه قوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] إذا قُدِّر "تفرضوا" منصوبًا بِـ "أن" مُقدرة.
سابعها: بمعنى "إلا"، نحو: (لأقتلن الكافر أو يُسْلم). أي: إلا أن يسلم، فلا أقتله.
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
تنبيه:
كثيرًا ما تُذْكَر هذه المسألة في باب الأدلة المختلَف فيها، ومناسبتها ظاهرة، إلا أنَّا [اتبعْنا] (¬1) "جمع الجوامع" في إيرادها هنا، لِمَا سبق من المناسبة.
ومما يظهر فيه فائدة الخلاف فيها ما لو قال: (أحجُّوا عني حجة الإسلام، وأعتقوا كذا، وتصدقوا بكذا) ولم يُقَيد ذلك بكونه مِن الثلث، فهل تتقيد حجة الإسلام بالثلث كما لو قيد بذلك وتكون فائدته في مضايقة أهل الثلث؛ مِن أَجْل اقترانه بما يعتبر من الثلث قطعًا؟ أوْ لا؛ لعدم الاحتجاج بدلالة الاقتران؟
والمرجَّح الثاني؛ لأن دلالة الاقتران غير حُجة على المرجح كما سبق.
قولي: (بِاقْتِرَانِ أَمْرِ) في محل نصب على المفعول الثاني لـ "رأي"، أي: مقترنين في أمر من الأمور.
وقولي: (فَالِاسْتِوَا في الْحُكْمِ)، أي: في الحكم الخارج عن ذلك لا يجري فيهما أو فيها. والله أعلم.
ص:
636 - وَالثَّانِ مِنْ مُتَّصِلٍ: شَرْطٌ، وَذَا ... تَعْلِيقُ أَمْرٍ بِأَدَاةٍ تُحْتَذَى
637 - نَحْوُ: وَقَفْتُ ذَا عَلَى أَوْلَادِي ... إنْ دَخَلُوا في الْعِلْمِ بِاجْتِهَادِ
الشرح:
الثاني من المخصصات المتصلة: الشرط. والمراد به هنا اللغوي.
¬__________
(¬1) كذا في (ص)، لكن في (ق، س): تبعنا.
فإذا اعتُرض بالقول بالموجب، يقال: هذا مُسلَّم، ولكن مِن أين يَلزم اشتراط النية في الوضوء؟
وإنما ورد هذا لكون الصغرى محذوفة. فلو ذُكِرَت، لَمْ يَتَوَجَّه له اعتراض بالقول بالموجَب، وإنما يَرِد الاعتراض بالمنع للصغرى، بأنْ يقال: لا نُسلِّم أن الوضوء قُربة.
نعم، يُشترط في الصغرى أن تكون غير مشهورة. أما لو كانت مشهورة فإنها تكون كالمذكورة، فيُمنَع ولا يؤتَى بالقول بالموجَب.

تنبيهات
الأول: قال الجدليون: إنَّ في القول بالموجَب انقطاعًا لأحد المتناظرين؛ لأنَّ المستدِل إنْ أثبت ما ادَّعاه، انقطع المعترِض.
وما قالوه صحيح في القِسمين الأولَين كما عُرف، وبعيد في القسم الثالث؛ لاختلاف المرادين؛ لأنَّ مُراد المستدِل أنَّ الصغرى وإنْ كانت محذوفة لفظًا فإنها مذكورة تقديرًا، والمجموع يفيد المطلوب. ومراد المعترض أن المذكور لمَّا كان الكبرى وحدها وهِيَ لا تفيد المطلوب، تَوَجَّه الاعتراض.
الثاني: جواب القِسم الأول بأنه محل النزاع أو مُستلزِم لمحل النزاع.
كما لو قال شافعي: لا يجوز قتل المسلم بالذمي؛ قياسًا على الحربي.
فيقال بالموجَب؛ لأنه يجب قتله به. وقولكم: (لا يجوز) نفي للإباحة التي معناها استواء الطرفين، ونفيُها ليس نَفْيًا للوجوب ولا مُستلزِمًا له.
فيقول الشافعي: المَعْنِي بِـ "لا يجوز" تحريمه، ويَلْزم مِن ثبوت التحريم نفيُ الوجوب؛ لاستحالة الجمع بين الوجوب والتحريم.

الصفحة 106