كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

بداية نص كتاب
الفوائد السنية في شرح الألفية
تأليف:
الحافظ البرماوي شمس الدين محمد بن عبد الدائم (763 - 831 هـ)
وهو شرح لألفيته (1032 بيتًا) في علم أصول الفقه
تحقيق الشيخ
عبد الله رمضان موسى
كلية الشريعة
الجزء الأول
مكتبة
دار النصيحة
الناشر
مكتبة التوعية الإسلامية
للتحقيق والنشر والبحث العلمي
جوال: 0100525514/ 01118737605
قلتُ: هذا الفرق بِعَينه في كلام الشافعي - رضي الله عنه -، وبيَّن المراد من العموم والخصوص هنا، فقال فيما نقله عنه المزني في "المختصر" في باب "شهادة النساء لا رجُل معهن والرد على مَن أجاز شهادة امرأة من [أهل] (¬1) الكتاب" في مسألة الخلاف بينه وبين أبي حنيفة وأصحابه -حيث قبلوا شهادة امرأة على ولادة الزوجة دون المطلقة- ما نصه:
(وقلتُ لِمَن يُجيز شهادة امرأة في الولادة كما يُجيز الخبر بها لا مِن قِبل الشهادة: وأين الخبر من الشهادة؟ أتَقْبل امرأةً عن امرأةٍ أنَّ امرأة رُجلٍ وَلَدَتْ هذا الولد؟ قال: لا.
قلتُ: وتَقبل في الخبر: أخبرنا فلان عن فلان؟ قال: نعم.
قلتُ: والخبر هو ما استوى فيه المخبِرُ والمخبَرُ والعامة من حرامٍ أو حلالٍ؟ قال: نعم.
قلتُ: والشهادة ما كان الشاهدُ منه خَلِيًّا والعامَّةُ، وإنما يلْزمُ المشهود عليه؟ قال: نعم.
قلتُ: أفَتَرَى هذا مُشْبِهًا لهذا؟ قال: أمَّا في هذا فلا) (¬2). انتهى
وقوله: (الخبر بها لا من قِبل الشهادة) هو المصطلح على تسميته "رواية" وإنْ كانت الشهادة أيضًا خبرًا باعتبار مقابلة الإنشاء، فللخبر [إطلاقان] (¬3)، والمتقدمون يُعبِّرون عن "الرواية" بِـ "الخبر" كما قدمناه في بعض عبارة القاضي أبي بكر والماوردي والروياني وغيرهم.
وبيَّن الشافعي رحمه الله السبب فيما تُفارقُ فيه الشهادة الرواية مِن الأحكام وتَرتُّبه على ما افترقت به حقيقتاهما من المعنى، وذَكَرَ بعض الأحكام قياسًا على البعض ردًّا على خصمه
¬__________
(¬1) كذا في جميع النُّسخ، والعبارة في (مختصر المزني، ص 304) هكذا: (بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. .).
(¬2) مختصر المزني (ص 304). دار النشر: دار المعرفة -بيروت- 1393 هـ، الطبعة: الثانية.
(¬3) كذا في (ز، ق، ش)، وفي سائر النسخ: إطلاقات.
ومنه قول الشاعر:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما
أي: إلا أن تستقيم، فلا أكسرها.
ثامنها: التقسيم، نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف.
وعبَّر ابن مالك بالتفريق المجرد، أي: عن المعاني السابقة، ومَثَّله بقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135]، أي: انقسموا إلى قِسمين: قِسم يهود قالوا: (كونوا هودًا)، وقِسم نصارى قالوا: (كونوا نصارى). ولهذا أدخله البيانيون في نوع اللف والنشر، لأن فيه رد كل قول إلى قائل مما جُمع أولًا.
قال ابن مالك: والتعبير عنه بالتفريق أَوْلى من التقسيم؛ لأن استعمال الواو فيما هو تقسيم أَجود من استعمال "أو".
ونُوخ في ذلك بأن مجيء الواو في التقسيم أكثر -لا يقتضي أنَّ "أو" لا تأتي له، بل تقتضي ثبوته غير أكثر.
وفيه نظر؛ فإنه لم يَنْفِ، إنما جعله أَوْلى، وذلك باعتبار الأكثرية.
قلتُ: ويمكن رد ما سبق من معنى "إلى" أو "إلَّا" إلى هذا؛ لأنه قَسَّم حالَهُ في "لألزمنك أو تقضيني حقي" مثلًا إلى قِسمين: الملازمة وقضاء الحق، وأن الواقع أحد الأمرين.
وكذا "لأقتلن الكافر أو يسلم" قسَّم حَالَهُ معه إلى [حالَيْن] (¬1): إسلامه، وقتلِه. والمعنى: لا بُدَّ من أحدهما.
ولم يذكره ابن مالك في الخلاصة في ذكر معاني "أو" في حروف عطف النسق، بل تَعَرَّض
¬__________
(¬1) في (ظ، ق): قسمين.
وهو: تعليق أمر على أمر بِـ "إنْ" أو إحدى أخواتها التي سبق ذِكرها في صِيَغ العموم وبيان معانيها في شرطيتها، نحو: إنْ دخلت الدار فأنت طالق، أو: فأنت حر.
ومثال تخصيص العموم به ما أشرت إليه في النَّظم أنْ يقول: (وقفتُ هذا على أولادي إنْ كانوا علماء). فإنَّ مَن ليس بعالم خارجٌ بمفهوم هذا الشرط.
وسيأتي أن التخصيص بالمفهوم جائز، أَعَم من أنْ يكون منفصلًا عن العام أو متصلًا به. فالكلام هنا في المتصل في الشرط، وهناك في الأَعَم.
واعلَم أن الشرط له ثلاثة إطلاقات سبق بيانها في الكلام على خطاب الوضع، وسبق أن المراد هنا مِن تلك الإطلاقات إنما هو اللغوي الذي هو التعليق، وأنَّ تفسير مَن يفسره هنا بأنه "الذي يَلزم مِن عدمه العدمُ، ولا يَلزم مِن وجوده وجودٌ ولا عدمٌ [لذاته] (¬1) " كما في أكثر كُتب الأصول -ليس بجيد؛ لأن هذا إنما هو تفسير لإطلاق آخَر مِن الإطلاقات الثلاثة وهو "الشرط" الذي هو قَسِيم للسبب والمانع وغيرهما من خطاب الوضع إذا كانت في الشرع، فإنَّ الثلاثة قد تكون عقلية وعادية، وسبق تمثيلها.
على أنه بذلك الإطلاق لا يُفسَّر بهذا أيضًا؛ لأن هذا حُكمه بَعد تَصَوُّره، وإنما حقيقته ما يتوقف عليه تعريف المعرف كما بيَّنتُه هناك، وأن مَن عبَّر بقوله: (ما يتوقف عليه تأثير المؤثِّر) فاسد؛ لأن العِلَل والأسباب مُعرِّفات لا مؤثِّرات (على قول أهل السُّنة). ولو سُلِّم التأثير فيفسد بما أفسد به ابن الحاجب وغيره، وهو أن الحياة شرط في العِلم، فإذا فُرض ذلك في القديم، فيلزم أن يكون هناك تأثير، وهو محُال.
فالصواب حينئذٍ التعبير بِـ "التعريف" لا بِـ "التأثير" كما عبَّرنا به، إلا أنْ لا يُراد بِـ "التأثير" حقيقته بل ما له دَخْل في الوجود وعدمه في الجملة. وإذا كان المراد ذلك، فلا يضر
¬__________
(¬1) ليس في (ص، ق).
وعن الثاني: بأنْ يبين في المستنتج أنه المأخذ بالنقل عن أئمة المذهب.
وعن الثالث: بأنَّ الحذف لإحدى المقدمتين سائغٌ عند العِلم بالمحذوف، والمحذوف مراد ومعلوم؛ فلا يضر حذفُه. والدليل هو المجموع، لا المذكور وحده. وكُتب الفقه مشحونة بذلك، بل لا يكاد يوجد ذِكر المقدمتين في قياس إلا نادرًا؛ قَصْدًا للاختصار [أو] (¬1) للاشتهار أو للقرينة.
الثالث: كون القول بالموجَب قادحًا في العِلة ذكره الآمدي والهندي، ووجَّهوه بأنه إذا كان فيه تسليم موجَب ما ذكره المستدِل مِن الدليل وأنه لا يرفع الخلاف، عَلِمْنَا أنَّ ما ذكره ليس بدليل للحكم.
ونازع القاضي تاج الدين السبكي في ذلك في "شرح المنهاج"، وقال: (إنَّ هذا يُخرج لفظ "القول بالموجَب" عن إجرائه على قضيته، بل الحق أنَّ القول بالموجَب تسليمٌ له، وهذا ما اقتضاه كلام الجدليين، وإليهم المرجع في ذلك. وحينئذٍ لا يتجه عَدُّه مِن مُبْطِلات العِلة) (¬2). انتهى
وبذلك صرح أيضًا إمام الحرمين في "البرهان"، فقال: متى تحقق، انقطع المستدِل. وليس اعتراضًا في الحقيقة؛ لاتفاق الخصمين فيه على صحة العِلة.
وقد سبق في التنبيه الأول أن الجدليين يقولون بأنَّ فيه انقطاعًا لأحد المتناظرين، فليراجَع. والله أعلم.
¬__________
(¬1) ليس في (س، ش، ت، ق).
(¬2) الإبهاج في شرح المنهاج (3/ 132).

الصفحة 107