كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

عبد مناف. وفي حديث واثلة بن الأسقع في "مسلم": "ثم اصطفاني من بني هاشم" (¬1).
فهاشم أقرب نسبه.
و"التُّبَّع" جمع "تابِع". والهَدْي في قولي: (بهَدْيه) بفتح الهاء وسكون الدال: الطريق التي يُمشَى فيها، فهو استعارة ما للجسم للمعنى. والضمير [فيه] (¬2) للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أيْ: التابعين للصحابة بإحسان، وهو اتِّباعهم على ما هم عليه من الاهتداء بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، أيْ: شَرْعه الذي شرعه وبَيَّنه، وأَوْجَب على الخَلْق اتِّباعه فيه.
ص:
5 - وَبَعْدُ: فَالقَصْدُ عَلَى رَوِيَّهْ ... نَظْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ في أَلْفِيَّهْ
6 - مُعْرًى مِنَ الخِلَافِ وَالدَّلِيلِ ... وَنُبْذَتِي أَصْلٌ لِذَا التَّأْصِيلِ
7 - فَسَمَّهَا بِـ "النُّبْذَةِ الألْفِيَّهْ" ... مَعْ زَيْدِ في أُصُولِنَا الفِقْهِيَّهْ
8 - وَاللهَ رَبِّي أَسْأَلُ الْإعَانَهْ ... عَلَى الَّذِي قَصَدتُ في الْإبانَهْ
الشرح:
"القصد" مصْدَر "قَصَد" بمعنى المقصود. "عَلَى رَوِيَّة" في موضع نَصْب على الحال، أَيْ: على تَفَكُّر، و"الرَوِيَّة": التفكر في الأمور، والمراد: على ما ظَهَر في التفكر في ذلك أنه صواب؛ لِمَا في المنظوم مِن سهولة الحفظ ومَيْل الطبْع إليه، لا سيما إذَا كان لطيفًا؛ فإنَّ الهِمَم قَلَّتْ، والهموم كَثُرَتْ وأَذلَّت، فالله تعالى يُحسن العاقبة.
و"ألْفِيَّة" صفة لمحذوف، أَيْ: أرجوزة ألفية، أو قصيدة ألفية.
¬__________
(¬1) صحيح مسلم (رقم: 2276).
(¬2) في (ز): (في بِهَدْيه).
النسائي فيه على البخاري: "وإنْ شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" (¬1). فسماها "شهادة". فلما جاء حديث الواحد، لم يُزِل عنها حقيقة الشهادة بل وصف العدد.
ومنه على ما قاله القرافي: القائف المخبِر بإلحاق النسب؛ فإنه -من حيث خصوص إثبات بنوة زيد لعمرو- شهادة، فينبغي اعتبار العدد فيه، ومن حيث انتصابه للعموم -رواية، فينبغي الاكتفاء فيه بواحد (¬2). ثم ذكر ما يقوي الأول.
لكن الأصح عند الشافعية وابن القاسم من المالكية ترجيح قبول الواحد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قبل خبر مجزز المدلجي وحْده، ولأنه شبيهٌ بالحكم؛ لأنَّ فيه اجتهادًا وفصلًا للخصومة، فأَشْبه الفتوى والقضاء.
قال الرافعي: (ويحكَى هذا التشبيه والحكم عن نَص الشافعي في "الأم"، حتى لو كان القاضي قائفًا، قضى بذلك؛ بناءً على الأصح في حُكمه بعلمه) (¬3).
قلتُ: فيَضعُف بذلك [ترديد] (¬4) هذا الخبر بين الرواية والشهادة، بل هو غيرهما كما عرفته.
ومنه -على ما قاله القرافي أيضًا- المترجم للفتاوى والخطوط، قال مالك: (يكفي الواحد. وقيل: لا بُد من اثنين. ومنشأ الخلاف الشائبتان؛ لأنه نُصب نصبًا عامًّا وإخباره عن مُعيَّن مِن فتوى أو خط). انتهى ملخصًا.
والظاهر أنه رواية محضة، وأصله حديث أبي جمرة الضبعي: "كنت أترجم بين يدي ابن
¬__________
(¬1) سنن النسائي (رقم: 2116). قال الألباني: صحيح. (صحيح سنن النسائي: 2115).
(¬2) الفروق مع الهوامش (1/ 18).
(¬3) انظر: العزيز شرح الوجيز (13/ 297).
(¬4) في (ز): تردد.
ولو قلنا بكونها للظرف مجازًا فلا بِدْعَ أن يتعدد المجاز في الواحد بحسب الاعتبار.
السادس: البدَلية، وهي ما يصح أن يحل محلها لفظ "بدل"، كما في حديث: "ما يَسُرني بها حُمر النعم" (¬1). أي: بَدَلها.
السابع: المقابلة، وذلك في الداخلة على الأثمان والأعواض، نحو: اشتريت الفرس بألف. ودخولها غالبًا على الثَّمن، وربما دخلت على المثَمَّن، نحو: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41]، ولم يَقُل: (ولا تشتروا آياتي بثمن قليل)، فيُؤَوَّل على حذف مضاف كما قال الفارسي: إن التقدير: "ذا ثمن قليل". ومن ثَم قال أصحابنا: إذا كان العوضان في البيع نقدين أو عرضين، فالثمن ما دخلت عليه "الباء".
ولا يُنافي ذلك قول الفراء: إذا كانا نقدين، جاز دخول الباء على كل منهما. وكذا إذا كانا معنيين، نحو: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16].
نعم، قال بعضهم: "الباء" تدخل على المتروك المرغوب عنه في باب الشراء، بخلاف البيع.
ورَدَّ بعضهم هذا المعنى والذي قبله إلى السببية؛ إذِ التقدير: إنَّ هذا بسبب كذا.
الثامن: القَسَم، نحو: "بالله لأفعلن". وهي أصل حروف القَسَم.
التاسع: تكون للمجاوزة، وتكثر بعد السؤال، نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1]. وتَقِل بَعْد غيره، نحو: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25].
¬__________
(¬1) السنن الكبرى للبيهقي (رقم: 1350)، وفي صحيح البخاري (رقم: ) بلفظ: (فَوَالله ما أُحِبُّ أَنَّ لي بِكَلِمَةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمِ)، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (رقم: 1574) بلفظ: (فَدَعَا لي بِدَعَوَاتٍ ما يسرني بِهِنَّ حُمْرُ النَّعَمِ).
ونحوه قول الشاعر: (أتغضب إنْ أذنا قتيبة حزنا)، أي: إنْ تبيَّن ذلك.
الثالث: ذكر في "المحصول" وتبعه البيضاوي وغيره في مسائل "الشرط" هنا ما حذفتُه تبعًا لـ "جمع الجوامع"؛ لقِلة جدواه في كون الشرط تخصيصًا.
فمِنه أنَّ الشرط إما أن يقع في الوجود دفعةً أو تدريجًا، وكل منهما إما أن يكون التعليق على وجوده أو عدمه.
فما عُلِّق على وجود ما يقع دفعةً لِعدم تركُّبه أو لكون أجزائه لا توجد إلا معًا نحو: (إنْ طلقتك، فأنت طالق)، فالمشروط يقع في أول زمن وقوع الشرط.
وما عُلِّق على عدمه نحو: (إنْ لم أطلقك)، فالمشروط يقع أول أزمنة عدمه.
وما كان على التدريج نحو: (إنْ قرأت الفاتحة فأنت حر)، فالمشروط يقع عند تكامل أجزائه إنْ عُلِّق بوجوده، وعند انتفاء آخِر جُزء إنْ عُلِّق بعدمه، نحو: (إنْ لم تقرئي الفاتحة فأنت طالق).
قلتُ: المسائل الأربع تدور على أن المشروط في الشرط اللغوي -الذي قد بيَّنا أنه سبب- يقع مع الشرط، لا بَعده، وهو الأرجح مِن قولَي الشافعي كما هو موضح في الفقه.
إلا أنَّ ما يقع دفعةً ليس له إلا زمن واحد، فكيف يقال: أول أزمنة وجوده؟ ولو قُدِّر تَعدُّد زمنه لَمَا كان يقع حتى يصدق، ولا يصدق إلا في آخِر أزمنته، لا في أولها.
وما عُلِّق بعدم هذا إنْ قُيِّد بزمان والتعليق بِـ "إنْ" كَـ: (إنْ لم أطلقك اليوم، فأنت طالق) و: (إنْ لم أَبع في هذا اليوم، فأنت حر) فإنَّ المشروط إنما يقع في آخِر أزمنة العدم، لا في أولها.
وإنْ لم يقيد بزمان كـ: (إنْ لم أطلقك، فأنت طالق)، فلا تطلق إلا قبل الموت، وهو آخِر أزمنة العدم الممكن فيها الطلاق، أو قبيل الجنون الحاصل للزوج متصلًا بالموت كما قُرر ذلك كله في الفقه.
تنبيهات
الأول:
ذهب كثير من المتقدمين إلى أنه معارضة في الأصل والفرع معًا، حتى لو اقتصر على أحدهما لا يكون فرقًا. وذكر إمام الحرمين أنه وإن اشتمل على معارضة لكن ليس المقصود منه المعارضة، وإنما الغرض منه المناقضة للجمع.
فالكلام في الفرق وراء المعارضة، وخاصته وسِره [فِقْه] (¬1) [يناقِض] (¬2) أصل الجَمْع. وقد رده مَن يقبل المعارضة.
وبالجملة ففي قبوله مذهبان:
أحدهما: أنه مردود، فلا يكون قادحًا. وعزاه ابن السمعاني للمحققين، وقال: إنه ليس مما تمس العلة التي نَصبها المعلِّل بوجه ما.
ووجَّهه غيره بأنَّ الوصف الواقع فرقًا إنِ استقل بالمناسَبة فهو عِلة أخرى، ولا تناقض بينهما. وإنْ لم يستقل بل كان يُكمل المصلحة، فلا حاجة إلى هذه الزيادة، بل المستقل هو المعتبر.
وأصحهما أنه مقبول؛ لأنه على أي وَجْه وَرَد يُوهن غرض المستدل مِن الجمع ويُبْطِل مقصوده. حتى إنَّ الشيخ أبا إسحاق ذكر في "الملخص" أنه أفقه شيء يجري في النظر، وبه يعرف فقه المسألة.
¬__________
(¬1) في (ق): فقد.
(¬2) كذا في (ش)، لكن في (ت): تناقض.

الصفحة 112