وقيل: "المعرفة" لا تَكون إلا بَعْد جَهْل، بِخِلَاف "العلم"؛ فَقَدْ يَكون بَعْد جهل (كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78]) وقد لا يَكون كذلك (كالعِلم القديم). نقله ابن إياز في "شرح الفصول" عن بعضهم، وكذا [النيلي] (¬1) في شرح الحاجبية.
وَرُدَّ بأنَّ "المعرفة" تُطْلَق نِسْبتها إلى الله تعالى كالعِلْم.
وأُجِيبَ بأنَّ اشتراط سَبْق الجهل فيها إنما هو فيمن يُتَصَوَّرُ فيه الجهلُ، لا مُطْلَقًا.
وقيل: "العِلم" في الإنسان، و"المعرفة" تَكون في الناس وفي البهائم. قاله ابن القطاع.
وقيل: "المعرفة" فيما يَكون مشعورًا به بالحواس، و"العِلْم" في غير ذلك. حكاه ابن جني في خاطرياته عن الفارسي، ويدل له قوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41]، ومنه أيضًا قول الشاعر (¬2) وهو مِن أبيات سيبويه:
أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكاظَ قبيلةٌ ... بَعَثُوا إلَىَّ عَريفَهم يَتَوَسَّمُ
¬__________
(¬1) كذا في (ض، ق، ز). وفي (ش): البعلي. وفي (ت): النبلي. و"النيلي" نِسْبَة إِلَى بلد النّيل، مَدِينَة بَين وَاسِط والكوفة، مَبْنِيَّة على نهر النّيل. (توضيح المشتبه، 1/ 686).
وفي (الأنساب، 5/ 551) للسمعاني: (النِّيلي .. هذه النسبة إلى النِّيل، وهي بليدة على الفرات، بين بغداد والكوفة).
وهو تقي الدين النيلي، وله "التحفه الشافيه في شرح الكافيه" شَرَح "الكافية" لابن الحاجب. فلعله المقصود بقوله: (شرح "الحاجبية").
قال السيوطي في كتابه (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، 1/ 410): (إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن بن عبيد الله بن إِبْرَاهِيم بْن ثَابت الطَّائِي تَقِيّ الدّين النيلي، شَارِح "الكافية").
(¬2) طريف بن تميم العنبري.
"سرحتُ"، وقع الطلاق.
- وما يجوز قطعًا.
- وما يمتنع على الأصح، كقوله في التشهد ونحوه: "أَعلم" موضع "أَشهد".
- وما يجوز في الأصح، كـ "طَلِّقْني على ألْف"، فقال: "خالعتُك". والمخالِف ابن خيران. قال ابن الرفعة: وللمسألة شبه بما لو قال لها: "طلقي نفسك"، فقالت: "اخترتُ"، ونَوَتْ.
ومن هذا القسم في الأصل أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" (¬1) مقتضاه تَعيُّن هذا اللفظ، لكن في "المنهاج" للحليمي أنه يقوم مقامه ألفاظ أخرى نقلها عنه الرافعي آخر كتاب الرِّدَّة وأقَرَّها وإنْ كان في بعضها نظر.
وفي "التحقيق" و"الأذكار" وغيرهما أنه لو قال في التشهد: "اللهم صَلِّ على أحمد"، لم يَكْفِ، بخلاف "النبي" و"الرسول".
ومُقْتَضَى كلامهم أنه لو عَبَّر في التشهد أيضًا بِ "الرسول" عوضًا عن "النبي" المذكور في أوائله وبـ "النبي" عوضًا عن "الرسول" المذكور في آخِره، لم يَكْفِ.
والفروع في ذلك كثيرة، وإنمَّا هذا أنموذج [تُستحضَر] (¬2) به القواعد، و [تتمهَّد] (¬3) به، والله تعالى أعلم.
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 385)، صحيح مسلم (رقم: 20).
(¬2) كذا في (ت). لكن في سائر النُّسخ: يستحضر.
(¬3) في (ش): يتمهد.
509 - وَيَثْبُتُ التَّالِي إذَا بِالْأَوْلَى ... نَاسَبَهُ فَلَمْ يُنَافِ أَصْلَا
510 - مِثَالُهُ: "لَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ" ... أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ، الْمِثَالُ الْمُحْصِى
511 - "لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَةً مَا حَلَّتِ" ... أَوْ أَدْوَنَ، الْمِثَالُ: لَوْ تَنَفَّت
512 - أُخُوَّةٌ مِنْ نَسَبٍ لَمْ تَحْلِلِ ... فَإنَّهَا أُخْتِي بِرَضْعٍ مُكْمَلِ
513 - وَللتَّمَنِّي، الْعَرْضِ، وَالتَّحْضِيضِ ... كَذَلِكَ التَّقْلِيلُ في التَّعْوِيضِ
الشرح:
أي: ومما تَقدم في الترجمة وهو "بيان معاني كلم يحتاج إليها" بيان معاني "لو"، وهي تَرِد
على وجوه:
أحدها: الشرطية في الماضي، نحو: (لو قام زيد لقام عمرو)، فيكون قيام عمرو مرتبطًا بقيام زيد، لكنهما منتفيان، عكس "إن" الشرطية وما تضمن معناها، فإنها تقتضي في الاستقبال أن وجود جوابها مرتبط بوجود شرطها مع احتمال أن يوجدَا وَأنْ لا يوجدَا، فمقابلتها لها من وجهين:
أحدهما؛ باعتبار المضي والاستقبال.
والثاني: باعتبار أن "لو" تدل على الانتفاء و"إن" وما في معناها لا تدل على انتفاء ولا وجود.
هذا ما صرح به ابن مالك والزمخشري وغيرهما.
وأَبَى قوم تسميتها حرف شرط؛ لأن حقيقة الشرط إنما تكون في الاستقبال، و"لو" إنما هي للتعليق في الماضي؛ فليست من أدوات الشرط.
قيل: والخُلْف لَفْظي؛ لأنه إنْ أريد بالشرطية الربط فهي شرط، وإنْ أريد العمل في
فالأول: الحِس، أي: المشاهدة، وإلا فالدليل السمعي مِن المحسوس بالسمع أيضًا. فالمراد أنْ يَرد حُكم في عام ونحن نشاهد بعض أفراده خارجًا مِن ذلك الحكم.
ومَثَّلوه:
- بقوله تعالى إخبارًا عن بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، ومن المعلوم بالشاهدة أنها لم تُؤْتَ مُلْك سليمان عليه السلام. زِيدَ على ذلك: ولم تؤتَ أيضًا شيئًا مِن الملائكة والعرش.
ولكن فيه نظر من حيث إنَّ ذلك غير مشاهَد حتى يكون علمنا به بالحس.
- وبقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25]، ونحن نشاهد موجودات لم تدمرها، كالسماوات والجبال وغيرها.
- ونحو ذلك أيضًا قوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42]، {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]، فإنَّ مِن المُشاهَد ما لم تجعله كالرميم، وأنَّ ما في [أقصى] (¬1) المشرق والمغرب لم يُجْبَ إليه.
نعم، هنا ثلاث كلمات:
الأُولى: أنَّ هذه الأمثلة لا تتعين أن تكون مِن العام المخصوص بالحِس، فقد يُدَّعَى أنها مِن العام الذي أُريد به خاص. وقد سبق الفرق بينهما وثمرة اختلافهما.
الثانية: أنَّ ما كان خارجًا بالحِس قد يُدَّعى أنه لم يدخل حتى يخرج كما سيأتي نظيره في التخصيص بالعقل، فليكن هذا على الخلاف هناك.
الثالثة: يَؤُول التخصيص بالحس إلى أنَّ العقل يحكم بخروج بعض الأفراد بواسطة
¬__________
(¬1) في (ص، ق): الأقصى.
الاعتراف بها، ولا يمكنه الجحد؛ فينقطع بذلك.
فإذَن "الإلزام" مِن المستدِل للمعترِض، و"الإفحام" مِن المعترِض للمستدِل. والله أعلم.
تنبيه:
885 - مِنَ الْقِيَاسِ مَا هُوَ "الْجَلِيُّ" ... [ذَا] (¬1) النَّفْيُ في فَارِقِهِ قَطْعِيُّ
886 - أَوْ ذُو احْتِمَالٍ ضَعْفُهُ قَوِيُّ ... فَغَيْرُ هَذَيْنِ هُوَ "الْخَفِيُّ"
الشرح: ذكرت في هذا التنبيه تقسيمين للقياس:
أحدهما: من حيث القوة والضعف.
وثانيهما: من حيث المعنى المشترك بين الأصل والفرع.
وأخرت التنبيه على التقسيمين عن تمهيد القياس وأنواعه وأنواع عِلله؛ لتوقُّف فَهْمها على ذلك.
فالتقسيم الأول - وهو ما اشتمل عليه هذان البيتان - انقسام القياس إلى جَلِي وخَفِي.
فالجلي: ما قُطِع بنَفْي الفارق فيه، كقياس الأَمة على العبد في سراية العتق في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أعتق شركًا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة عدل" (¬2). الحديث. فإنَّا نقطَع بعدم اعتبار الشارع الذكورة والأنوثة فيه.
ونحوه: قياس الصبية على الصبي في حديث: "مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على
¬__________
(¬1) في (ض، ص، ت): و.
(¬2) سبق تخريجه.