الأضحية لأبي بُردة (¬1) (لكن قد ثَبَت ذلك لِغَيْره، كزيد بن خالد الجهني وعقبة بن عامر الجهني)، وشِبْه ذلك.
والمراد بِـ "المُكَلَّف": البالغ العاقل الذاكِر، غَيْر المُلْجَأ (كما سيأتي إيضاحه)، لا مَن تَعَلَّق به التكليفُ، وإلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ؛ إذ لا يَكون مُكَلَّفًا حتى يتعلق به التكليف، ولا يتعلق التكليف إلا بمكلَّف.
نَعَم، لنا خِلَافٌ في أنَّ الصبي المأمور بالصلاة والصوم - ونحوهما - مِن الوَلِي هل يَصِير بذلك مأمورًا مِن الشرع أيضًا؟ أو لا؟ إنْ قُلنا: (نَعَم)، فيشكل التعبير بِـ "المكلَّف"، وإنما ينبغي أنْ يُعَبَّر بما يشمل الصبي، لكن الظاهر المنع، وما يُحْكَم به مِن صحة عباداته والثواب عليها فَمِن خطاب الوضع كما سيأتي.
[وقولي: (مِنَ الْمُكَلَّفِ) حالٌ مِن قولي: (بالفعل) أو صفة له؛ لأنَّ المُحَلَّى بِلام الجنس يجوز في الظرف بَعده الوجهان] (¬2).
وقولي: (اقْتَضَى أَوْ خَيَّرَا) حال، والتقييد بها هو آخِر قيود التعريف لِلْحُكْم، فيخرج به ما تَعَلَّق بِفِعل المكلَّف على جهة الإخبار، نحو: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، فإنه إخبار بِخَلْق العمل، لا إنشاء مُتَعَلِّق بالعمل اقتضاءًا أو تخييرًا؛ لأنَّ "الاقتضاء" هو الطلب للفعل (جَزْمًا أو غَير جَزْم)، أو التَّرْك (جَزْمًا أو غَيْر جَزْم) بِنَهْي مقصود أو غَيْره، و"التخيير" هو الإباحة؛ فتدخل الأحكام كلها كما سيأتي إيضاح ذلك.
نَعَم، في كَوْن الإباحة حُكْمًا شرعيًّا خِلَافٌ. فإنْ قُلْنَا بالمنع، فلا حاجة لقولنا: (أو تخيير).
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 922)، صحيح مسلم (رقم: 1961).
(¬2) من (ز).
على مذهبهم في ذلك كما سبق. وكسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس النخعي الإمام فقيه العراق وهو قد وُلد في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وكأبي مسلم الخولاني الذي يُقال له: حكيم هذه الأُمة، ومسروق وكعب الأحبار وأشباههم.
- أو من صغارهم، وهو مَن لم يَلْقَ من الصحابة إلا الواحد [أو] (¬1) الاثنين أو نحو ذلك، نحو يحيى بن سعيد الأنصاري وأبي حازم ومحمد بن شهاب الزهري كما قال ابن الصلاح وإنِ انتقد عليه بأنه قد لقي عشرة من الصحابة وأكثر كما بُسِط في محله حتى عَدَّه الحاكم من كبار التابعين.
وأُجيبَ عنه بأنَّ مراده بالواحد والاثنين ذلك ونحوه إلى العشرة وفوقها بقليل، فيكون هذا كالتمثيل.
ولا يخفى ضعف الجواب، وأجود منه أنَّ مراده أنْ يلقَى الواحد أو الاثنين مع انضمام أن يكثر من الرواية عنه، والزهري إنما وقع له ذلك في الواحد والاثنين ونحوهما وإنْ رأى مِن الصحابة كثيرًا.
وعلى هذا فَعُدَّ نحو كثير بن العباس وأبي إدريس الخولاني، قال أبو داود في "سؤالات الآجُرِّي": سمعت أحمد بن صالح يقول: إنهم يقولون: إنَّ مولد الزهري سنة خمسين.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله، عن الزهري قال: وفدتُ إلى مروان ابن الحكم وأنا محتلم.
ونقل ابن عبد البر عن قوم أن ما كان من قول صغار التابعين في ذلك ليس مرسَلًا، بل يسمَّى "منقطعًا" أيضًا؛ لكثرة الوساطة؛ لِغَلبة روايتهم عن التابعين، فيصير كمَن دُون التابعين في ذلك.
¬__________
(¬1) كذا في (ز)، لكن في (ص): و.
وقد يجاب بأن نسبة الكل عند وجود الصفة واحدة، فتعذر غير المعية، كما أخرجوا من محل الخلاف نحو: "اشترك زيد وعمرو"، و"تقاتل عبد الله وبكر".
الرابع: إنما أطلتُ الكلام على "الواو"؛ لأنها من المهمات، واقتصرتُ في النظم على ذِكر معنى العاطفة؛ لوضوح بقية أنواع "الواو" في الاستدلال، كـ"واو" المفعول معه، و"واو" القَسم، و"واو" الحال، و"وا و" رُب والزائدة، و"واو" الثمانية عند مثبتها.
بل وذُكر للعاطفة مَعَانٍ أُخَر ضُعِّف القول بها، أهملتها أيضًا، ككونها بمعنى "أو" وبمعنى "الباء" ونحو ذلك، وهو مبسوط في محله. والله أعلم.
مِن المَخْرَجَين وهو عام، غير أنَّ أكثر أصحابنا خصصوه بالأحداث المعتادة، فلو خرج ما لا يُعتاد كالحصاة والدود، لم يكن ناقضًا، لأن الذهن لا يتبادر إلا إلى المعتاد.
قال: وعلى هذا الأصل انبنى الخلاف في مسائل الأيمان، فإذا حلف بلفظٍ له عُرف فِعْلي ووَضْع لغوي، فهل يُحمَل على العُرف الفعلي؛ أو على الوضع اللغوي؟ قولان.
الثاني: قال القرافي: (شذَّ الآمدي بحكاية الخلاف في العادة الفِعلية).
قال: (ووقع للمازري خلاف في ذلك عن المالكية، ولَعَلَّه ممن التبس عليه الفعلية والقولية).
قال: (وأظن أني سمعتُ الشيخ عز الدين بن عبد السلام يحكي الإجماع أن الفعلية لا تُخصِّص. وقال العالمي من الحنفية: العادة الفعلية لا تكون مُخصِّصة إلا أن تُجمِع الأمة على استحسانها. ثم قال: ولقائل أن يقول: هذا تخصيص بالإجماع، لا بالعادة) (¬1). انتهى
وقد سبق بيان الأحوال التي فيها الخلاف والقطْع.
الثالث: نسب بعضهم القول بتخصيص العادة الفعلية إلى الشافعي؛ لأنه حمل الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرقيق: "أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون" (¬2) على الاستحباب دُون الوجوب.
قال: لأن العرب كانت مطاعمهم وملابسهم متقاربة، وكان عيشهم ضيقًا. وأما مَن لم يكن كذلك، فإنه يطعم ويكسو رقيقه -إذا لم يَرد ذلك- بالمعروف؛ لحديث: "له نفقته وكسوته بالمعروف" (¬3).
¬__________
(¬1) نفائس الأصول في شرح المحصول (3/ 58).
(¬2) صحيح مسلم (رقم: 3007).
(¬3) قال الإمام الشافعي في (الأم، 5/ 101): (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ =
وجوابه أن المراد: في العقائد التي لا خلاف بين الأنبياء فيها، ولكن سمى الموافقة "اتِّباعًا".
واستدلوا أيضًا بنحو قوله في حديث الربيع بنت النضر لما كسرت ثنية غيرها فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كتاب الله القصاص" (¬1). إشارة إلى قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] في آية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] أي: على بني إسرائيل {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الآية.
وجوابه أن المراد بِـ "كتاب الله": حُكم الله، فيكون تقريرًا. أو أنَّ المُقَرِّر: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، ونحو ذلك.
واستدلوا أيضًا بحديث رَجْم اليهوديين والأمر بإحضار التوراة، فلو لم يكن شرعًا له لَمَا طلب.
وجوابه: أنه إنما أراد إقامة الحجة عليهم في إنكارهم أنَّ ذلك في التوراة وافتضاحهم بالكذب، لا أنه عَمل به.
واستدلوا أيضًا بحديث: "مَن نام عن صلاة أو نسيها فليُصَلها إذا ذكرها" (¬2) وتلا: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وهو لموسى، وسياقه يدل على الاستدلال به. والحديث في "الصحيحين"، ورواه مسلم أيضًا بلفظ: "فليُصلها إذا ذكرها" (¬3). فإن الله تعالى يقول: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 2556).
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) صحيح مسلم (رقم: 680)، بلفظ: (مَن نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إذا ذَكَرَهَا).