كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

81 - أَوْ "صِفَةِ الْكَمَالِ" أَوْ ضِدِّهِمَا ... فَالشُّكْرُ وَاجِبٌ لِمَنْ قَدْ أَنْعَمَا
82 - بِالشَّرْعِ، ثُمَّ لَيْسَ حُكْمٌ قَبْلَهُ ... وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلِيُّ كُلَّهُ
الشرح: هذا الذي يخرج بأول قَيْد مِن تعريف الحُكم، وهو إضافة الخطاب لله تعالى؛ فَيُعْلَم مِنه أنه لا حُكْم للعقل، أَيْ: ليس له استقلال بِحُكم مِن أحكام الشرع أصْلًا، خِلَافًا للمعتزلة بَنَوْهُ على قاعدتهم الفاسدة أنَّ العقل له إدراكُ حُسْن الفعل وقُبْحه، إمَّا باعتبار ذاته أو صفةٍ فيه أو بوجوهٍ واعتبارات يظهَر للعقل بها حُسْن الفعل أو قُبْحه - على خِلَافٍ عندهم في ذلك، وقَسَّموا الحكم باعتبار إدراك العقل إلى أقسامه المشهورة.
فقال بعضهم: إنَّ الفعل الاختياري إمَّا أنْ يشتمل على مَفْسَدة أو مصلحة أَوْ لَا [وَلَا] (¬1).
فالأول: إنْ كانت في جانِب:
- التَّرْك، فواجبٌ.
- أو الفعل، فَحَرامٌ.
والثاني: إمَّا في جانب:
- الفعل، فمندوب.
- أو التَّرْك، فمكروه.
والثالث: المباحُ.
وما تَحَيَّر العقل فيه فَلَمْ يُدْرِك شيئًا - فيه ثلاثة أقوال عندهم: الحَظْر احتياطًا،
¬__________
(¬1) كذا في (ص، ض، ت)، وقوله: (لا ولا) معناه: لا مفسدة ولا مصلحة.
صرح بخلافه البخاريُّ عن الحميدي والأثرمُ عن أحمد.
نعم، فرَّق أبو بكر الصيرفي بين أنْ يُصرح التابعي بسماعه من الصحابي فيمبل؛ لأنهم عدول، أو يقول: (عن رجُل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) فلا يُقبل؛ لاحتمال واسطة بينه وبين الصحابي. وهو حَسَنٌ متجه، وكلامُ مَن أَطْلَق محمولٌ عليه.
قلتُ: "عن" محمولة عندهم على الاتصال كما سيأتي، فلا فرق حينئذٍ، وبتقدير التسليم فالفرق بينه وبين مسألتنا ظاهر، فإنَّ التصريح بأنَّ الواسطة صحابب لا يساويه المحتمل لوساطة غير الصحابي، والله أعلم.
ص:
332 - نَعَمْ، يَكُونُ حُجَّةً مُرْسَلُ مَنْ ... لَمْ يَرْوِ إلَّاعَنْ عُدُولٍ تُؤْتَمَنْ
333 - كَابْنِ الْمُسَيِّبِ، الَّذِي يُرْسِلُهُ ... عَنْ صِهْرِهِ أَبِي هُرَيْرَةَ اعْزُهُ
الشرح:
هذا استدراك لإطلاق أنَّ "المرسَل" مِن "المنقطع" الذي لا يُحتج به، وقد حُكي فيه نحو العشرين قولًا، بعضها ضعيف جدًّا وبعضها داخل في الأقوال المشهورة فيه، فلنقتصر في ذلك على خمسة؛ لكونها أقوى، غَيْر ما في مسألة مرسَل الصحابي، فإنها تأتي مِن بعدُ.
أحد الأقوال الخمسة: أنه يحتج به مطلقًا، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأشهر الروايتين عن أحمد، وحكاه في "المحصول" عن الجمهور، ومراده جمهور الأصوليين، واختاره أيضًا الآمدي.
وذكر محمد بن جرير الطبري أنَّ التابعين أجمعوا بأَسْرهم على قبول المراسيل، ولم يأت عن أحدٍ إنكارُه إلى رأس المائتين.
اللفظي؛ لأنه أُطلق عليهما، والأصل في الإطلاق الحقيقة. نقله في "المحصول" عن بعض الفقهاء، وعزاه ابن برهان إلى كافة العلماء.
والثالث: إنه للقدر المشترك بينهما، من باب المتواطئ؛ دَفْعًا للاشتراك والمجاز.
وهذا القول لا يُعرف قائله، وإنما ذكره الآمدي في "الأحكام" على وجه الإلزام للخصم، أي إنه لو قيل بذلك فما المانع منه؟ ولهذا لَمَّا تعرض له ابن الحاجب قال في آخِر المسألة: (وأيضًا فإنه قول حادث هنا) (¬1).
وبذلك يصح قول ابن الحاجب وغيره: إنَّ إطلاقه على القول المخصوص حقيقة اتفاقًا، فإن الذي يقول بالتواطؤ يجعله حقيقة باعتبار المعنى المشترك، لا أنه حقيقة في أحد مَحَليه.
الرابع: إنه مشترك بين الصيغة وبين الفعل وبين الشأن. ويُعزى لأبي الحسين البصري، كذا نُقل عنه، لكن عبارته في "المعتمد": (وأنَا أذهب إلى أن قول القائل "أمر" مشترك بين الصفة والشيء والطريق وبين جملة الشأن وبين القول المخصوص) (¬2). انتهى
فلم يذكر "الفعل" أصلًا إلا أن يكون من حيث دخوله في الشأن.
وذكر "الطريق"، وسبق أنه في "شرح العمد" وَحَّد بينه وبين الشأن، والأمر في ذلك سهل.
والخامس: إنه مشترك بين الكل، فإذا أُطلق، احتمل كل واحد ما لم تكن قرينة للمراد منها. وحكاه ابن برهان عن كافة العلماء، وحكاه القاضي عبد الوهاب والباجي عن أكثر أصحابنا.
ويمكن تخريج قول سادس: أنْ يكون للقدر المشترك بين الكل كما ذكر ابن الحاجب تبعًا
¬__________
(¬1) مختصر المنتهى (2/ 10) مع (بيان المختصر).
(¬2) المعتمد (1/ 39).
ص:
659 - وَخُصَّ بِالْفَحْوَى مِنَ الْخِطَابِ ... وَبِدَلِيلِهِ، وَلِلْأَصْحَابِ
660 - تَمْثِيلُهُ بِالْخَبَرِ [الْمَأْثُورِ] (¬1) ... في الْقُلَّتَيْنِ، خُصَّ بِالتَّغْيِيرِ
الشرح:
مِن المخصصات المنفصلة: تخصيص اللفظ العام بفحوى الخطاب، أي: "مفهوم الموافقة" إذا كان الحكم فيه أَوْلى مِن المذكور كما سبق في موضعه، وربما أطلق هنا "مفهوم الموافقة"؛ ليشمل "لحن الخطاب"، إذْ لا فرق.
فمثاله بالفحوى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُّ الواجِد يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" (¬2). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من رواية عمرو بن الشريد عن أبيه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
و"اللَّيُّ": المَطْل. والمراد بِ "حِل عِرْضه" أن يقول غريمه: ظلمني، وبـ "عقوبته": الحبس ونحوه.
خُصَّ بمفهوم قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فمفهومه أنه لا يؤذيهما بحبس ولا غيره؛ فلذلك نقل الإمامُ عن المعْظَم، والرافعي عن تصحيح البغوي أنَّ الوالد لا يُحبَس في دَيْن وَلَدِه، وصححه النووي أيضًا، وفيه وجه صححه الغزالي وصاحب
¬__________
(¬1) في (ن 3، ن 4): المشهور.
(¬2) سنن أبي داود (رقم: 3628)، سنن النسائي (رقم: 4690)، سنن ابن ماجه (رقم: 2427)، صحيح ابن حبان (رقم: 5089)، المستدرك على الصحيحين (رقم: 7065)، سنن البيهقي الكبرى (رقم: 11061). قال الألباني: حسن. (إرواء الغليل: 1434).
سجدات، خمس ركعات وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة. ولسنا نقول بهذا، لا نُصلي في شيء من الآيات إلا في كسوف الشمس والقمر، ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي لَقُلنا به. وهُم يثبتونه ولا يأخذون به، يقولون: يصلَّى ركعتين في الزلزلة، في كل ركعة ركعة) (¬1).
ثم ذكر عدة أحاديث عن علي مختلفة في ذلك. انتهى
ثم على تقدير صحته [عن الشافعي في "اختلاف الحديث"] (¬2) فقال السبكي: إن ذلك إذا كان مذكورًا في القديم والجديد فالظاهر أنه حُجة قديمًا وجديدًا؛ لأنه يفيد ظنًا لا مُعارِض له.
قال شيخنا بدر الدين الزركشي: (هذا الذي قاله السبكي وتبعه ولده فيه يدل على أنهما لا نَقْل عندهما صريحًا فيه، ولكن قد جزم به ابن الصباغ في "كتاب الأيمان" من كتابه "الكامل" بالكاف، والإمام في "المحصول" في "باب الأخبار") (¬3). انتهى
قلت: وبالجملة [فهذا] (¬4) ينبغي أنْ يخرج عن مسألة قول الصحابي؛ لأنه يصير بذلك في حكم المرفوع. وقد سبق أن الصحابي إذا قال ما لا يمكن أن يقوله عن اجتهاد بل عن توقيف أنه يكون مرفوعًا كما صرح به علماء الحديث والأصول كما بيَّناه في الكلام في الرواية؛ فلذلك لم أُقيِّد في النَّظم المسألة بذلك، فاعْلَمه.
¬__________
(¬1) الأم (7/ 168).
(¬2) من (ق، ش).
(¬3) تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع (2/ 155).
(¬4) كذا في (ق، ش)، لكن في سائر النسخ: فهل.

الصفحة 170